13 سبتمبر 2025
تسجيلمن حق رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا أن يتبنى الموقف الذي يشاء تجاه وقائع ما جرى في مصر بعد الثلاثين من يونيو فهو لديه قناعاته ومصالحه وارتباطاته وتحالفاته التنظيمية والسياسية وإن كنت لا أتفق مع كثير من طروحاته على هذا الصعيد فهي فضلا عن تدخلها في شأن وطني داخلي تنطوي على قدر من التناقض وتجسد افتتانا بفكرة ثبت أن القائمين عليها في المحروسة لم يكونوا بمستواها ومارسوا سلسلة من الأخطاء دفعت الملايين إلى المطالبة برحيلهم عن السلطة. لن أتوغل كثيرا في مواقف رجب طيب أردوغان والذي أحترم تجربته في الحكم والحزبية تجاه النظام الجديد فرجال هذا النظام تكفلوا بالرد عليه وتفنيد أطروحاته ومواقفه ولكن ما أوجعني في هذه المواقف هو هجومه على فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد محمد الطيب شيخ الأزهر والذي صب عليه جام غضبه ماضيا في نفس السياق الذي تركز عليه جماعة الإخوان المسلمون وحلفاؤها والذين باتوا يرون في الطيب الشيطان الأكبر وليس الإمام الأكبر لأنه ببساطة لم ينحز إلى طروحاتهم وتوجهاتهم . بل يتهمونه أنه من مدبري الانقلاب العسكري ضد الشرعية الدستورية التي كان يجسدها الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي على حد زعمهم . لم يكن حريا برجب طيب أردوغان أن يسير في السياق ذاته لأنه من المفترض أن يبني توجهاته وسياساته ليس وفقا لآراء ومواقف فصيل أو جماعة داخل مصر وإنما بناء على تقديرات من الأجهزة المعنية التركية التي أظن أنها تتابع الشأن المصري بدقة بالغة بحكم الارتباطات القوية بين حزبه الحاكم وجماعة الإخوان المسلمون وفي تقديري أنه لو استمع إلى هذه الأجهزة الحرفية لكان قد توصل إلى قناعات مغايرة لم تكن تدفعه إلى مهاجمة الإمام الأكبر الدكتور الطيب. ويبدو أن الرابطة التنظيمية التي تجمع رجب طيب أردوغان بجماعة الإخوان المسلمين هي المعيار الأساسي في الحكم على التطورات في الداخلية في مصر والتي أعلن نفسه مدافعا عنها – أي الجماعة - بشراسة إلى حد المطالبة بالتدخل الدولي عبر دعوته مجلس الأمن لمناقشة الأزمة المصرية فالراصد لتصريحاته التي تأخذ منحى متشددا يقف عند التقارب الشديد حتى في المفردات المستخدمة فأنت لاترى كبير فرق بين ما كان يقوله الدكتور محمد بديع أو الدكتور محمد البلتاجي أو حتى الدكتور صفوت حجازي وقد يقبل البعض هذه المواقف على مضض باعتبارها تنبئ عن تباين سياسي بين مصر بعد ثورة الثلاثين من يونيو وتركيا التي يحكمها رجب طيب أردوغان ولكن ما لم يتقبله المصريون هو المساس بإمامهم الأكبر شيخ الجامع الأزهر الدكتور أحمد محمد الطيب لجملة من المعطيات. أولها أن الدكتور الطيب لم يمارس أي فعل من شأنه إزاحة جماعة الإخوان عن السلطة لكنه رأى من موقعه الشديد الحساسية الانحياز للملايين التي خرجت في شوارع وميادين المحروسة مطالبة بالتغيير والولوج إلى زمن جديد وانضم إلى كافة القوى الوطنية المصرية بالتنسيق مع القيادة العامة للقوات المسلحة التي أعلنت انحيازها المبكر للشعب المصري وتم بلورة خارطة المستقبل التي بدا بالفعل بتنفيذها والتي قدمت البديل لحكم قام على أساس فرض هيمنة فصيل على مفاصل الدولة المصرية وإقصاء الفصائل الوطنية الأخرى وهو مالا يتوافق مع جوهر الإسلام الحنيف. ثانيا : عندما وقعت أحداث الحرس الجمهوري والتي قتل فيها أعداد من عناصر الجماعة والمتحالفين معها إلى جانب مقتل عدد من ضباط وأفراد الحرس الجمهوري تبنى الإمام الأكبر موقفا صارما ضد القتل والعنف من أي طرف بعد أن أوجعه رؤية دماء المصريين تراق بأيدي المصريين وأعلن يومها في بيان رسمي اعتكافه في منزله وتوجه في اليوم نفسه إلى مقر إقامته بالأقصر التي تبعد حوالي 700 كيلو متر جنوب القاهرة . ثالثا : لم يتوقف الإمام الأكبر طوال أيام الأزمة عن استعداده لجمع مختلف الأطراف تحت عباءة الأزهر بما يمثله من رمزية وتوافق على دوره الوطني والديني بإقرار الجماعة نفسها بعد أن وصلت إلى السلطة لبلورة مصالحة وطنية شاملة لكن الجماعة وحلفاءها كانوا الفئة الأكثر رفضا وتعنتا وفي تقديري لو قبلت مبادراته لما بلغت الأمور الحد الذي بلغته والذي أريقت فيه المزيد من دماء المصريين بأيدي المصريين وهو أمر رفضه وما زال يرفضه مولانا الدكتور الطيب. رابعا : عندما وقعت أحداث فض اعتصامي ميداني رابعة العدوية والنهضة أعلن الإمام تبرؤه من إراقة الدماء التي حصلت في الميدانين من الطرفين وأكد أنه لم يكن على دراية مسبقة بقرار فض الاعتصام ودعا مجددا الدعوة إلى نبذ العنف واللجوء إلى الحوار والمصالحة الوطنية الشاملة. خامسا : إن الإمام الأكبر في مواقفه التي انحاز فيها لملايين المصريين وتلك التي رفض فيها اللجوء إلى العنف والقتل كان يتكئ على مرجعيته الإسلامية الوسطية التي تستوعب جوهر الشريعة وروح نصوصها بعيدا عن منهجية التطرف والتشدد التي تستند إليها الجماعة وأخواتها خاصة في الأزمة الأخيرة على الرغم مما هو معروف عنها بالتزامها بالوسطية الأمر الذي كان يميزها عن غيرها من جماعات الإسلام السياسي ولكن يبدو أن البقاء تحت خيام واحدة في مقري الاعتصامين الشهيرين فضلا عن علو صوت قيادات الجماعة الإسلامية والجهاد وغيرهما في اتجاه يعلي من خطاب الجهاد والدفاع عن الشرعية بمئات الألوف دفع رموز الجماعة إلى الولوج في الخط نفسه وهو ما تجلى في تصريحات الدكتور بديع والبلتاجي والعريان وصفوت حجازي والذين وضعوا الشيخ الجليل الدكتور الطيب أمام فوهة نيرانهم وهنا أذكر بالتصريحات الإيجابية التي أعلنها الدكتور محمد بديع مرشد عام الجماعة في لقائه مع شيخ الأزهر بعد ثورة الخامس والعشرين والتي امتدح فيها وسطيته واعتداله ودوره الوطني سادسا: حتى ولو اختلفت جماعة "الإخوان المسلمون" والقوى المتحالفة معها مع شيخ الأزهر فلماذا يتدخل رجب طيب أردوغان من الخارج فهما من نفس طينة الوطن وقد يأتي وقت يتم التصالح بينهما وفي الأخير يكون هو الخاسر وأنا أود أن يعود – أي أردوغان – إلى تصريحاته التي أدلى بها عقب لقائه بفضيلة الإمام الأكبر خلال زيارته لمصر والتي وجد فيها كل الترحيب منه ومن أغلب التيارات الوطنية ماعدا الإخوان الذين سرعان ما صبوا جام غضبهم عليه لأنه دعاهم إلى إقامة دولة مدنية علمانية وليست دينية وفق أهوائهم.