31 أكتوبر 2025

تسجيل

سفراء مصر لم يصلهم خبر الثورة بعد

03 سبتمبر 2011

تعتبر مصر من أكثر دول العالم من ناحية التمثيل الدبلوماسي، حيث تمتلك ما يزيد على 160 سفارة. وهو رقم كبير بكل المقاييس لدولة ليست كبيرة على المستوى الدولي مقارنة بدول أخرى أكبر منها مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تمتلك سوى 90 سفارة فقط. ورغم هذا التواجد الدبلوماسي الضخم للدبلوماسية المصرية، إلا أن إنجازاتها محدودة جدا وشهدت تراجعا كبيرا، خاصة خلال العقود الثلاثة الماضية، حيث لم تستطع تحقيق الأهداف الرئيسية لأي دبلوماسية والتي تتمثل في الحفاظ على مصالح الدولة الوطنية والقومية وكذلك حماية مواطني الدولة في شتى أنحاء العالم. هذا الفشل الذي عانت ولا تزال تعاني منه الدبلوماسية المصرية يرجع إلى عدة أسباب أبرزها: ضعف النظام الحاكم السابق وتراجعه عن السعي للحفاظ على مصالح مصر القومية بسبب تبعيته للمحور الأمريكي الصهيوني الذي تتعارض مصالحه مع المصالح المصرية الحقيقية.  وقد ترتب على ذلك سعي النظام السابق لإضعاف الدبلوماسية المصرية عبر إفسادها من خلال اختيار كوادر دبلوماسية ضعيفة وغير مؤهلة وغير قادرة على القيام بوظيفتها على الوجه الأكمل. وذلك كجزء من عملية إفساد المجتمع المصري بكافة مؤسساته التي كانت الهدف الرئيسي للنظام خلال السنوات الثلاثين الماضية من أجل استمراره في الحكم دون معارضة حقيقية. ولعلنا نتذكر جيدا كيف أثمرت هذه السياسة في وصول أشخاص لمنصب وزير الخارجية ليس لهم ولاء للدولة المصرية، حيث انحصر كل ولائهم في النظام الحاكم ورأسه المخلوع حسني مبارك. ومن أبرز هؤلاء الأشخاص وزير الخارجية الأسبق أحمد أبو الغيط. ويعد أحمد أبو الغيط نموذجا لجزء ليس صغيرا من الدبلوماسيين المصريين الذين تولوا مناصبهم في هذا العهد البائد، وهو ما انعكس على أدائهم الذي استمر كما كان في ذلك العهد حينما لم تكن للمصالح المصرية أو لكرامة المصريين أي قيمة في مواجهة الآخرين. يشهد على ذلك الأزمات الأخيرة التي واجهتها مصر خاصة أزمة مقتل الجنود المصريين على الحدود المصرية الإسرائيلية بنيران قوات الاحتلال الإسرائيلية وأزمة المعتمرين في مدينة جدة السعودية. في الأزمة مع إسرائيل شاهدنا الأداء البائس لوزارة الخارجية المصرية ولدبلوماسييها في السفارة المصرية في تل أبيب حيث كان الارتباك هو المسيطر على أداء وزير الخارجية تبعا للسلوك المرتعش الذي سيطر على الحكومة المصرية في الأيام الأولى للأزمة. أما السفير المصري في إسرائيل ياسر رضا فقد التزم الصمت تماما أمام الجريمة.. لكن هذا الصمت تلاشى حينما تعلق الأمر بمسألة استدعائه التي شاعت في البداية حيث خرج ليعلن أنه لم تصل أي تعليمات من الحكومة المصرية بخصوص استدعائه. وكأنه بذلك يطمئن القيادات الإسرائيلية أنه باق ولن يرحل وأن مطالب الشعب باستدعائه ليس لها أي قدر من الاحترام حتى وإن كان عن طريق الصمت الذي التزمه فقط إزاء جريمة الاحتلال الإسرائيلي. الأدهى من ذلك أنه بعد ساعات من مقتل الجنود المصريين، لبى نائب السفير المصري في إسرائيل مصطفى الكوني، دعوة من الرئيس الإسرائيلي شيمون بيريز لحضور حفل إفطار في منزله بمدينة القدس المحتلة، والتقطوا سويا بعض الصور عقب حفل الإفطار الرمضاني. وكأن شيئا لم يحدث.. وكأن دماءً مصرية طاهرة لم تسل بأيدي قوات إسرائيلية. ولأن الشيء بالشيء يذكر، فإننا يجب أن نتذكر أنه قبل هذه الحادثة بأيام معدودة قام السفير المصري في تل أبيب بتقديم تطمينات للقيادة الإسرائيلية بشأن الجندي الإسرائيلي الأسير لدى حماس شاليط، مؤكداً أن مصر تبذل جهودا مضنية من أجل فك أسره.. وهو نفس السلوك الذي كان سائدا في ظل النظام البائد.. فهذا السفير لم يقدم تطمينات إلى الحكومة الفلسطينية تفيد أن بلاده تبذل جهودها لفك أسر أكثر من عشرة آلاف معتقل اختطفتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي.. لأن ذلك لا يدخل ضمن ثقافته التي زرعها النظام السابق في عقله وفي عقل المؤسسة الدبلوماسية بكاملها بأن إسرائيل ومصالحا لها الألوية المطلقة على ما عاداها.. حتى المصالح المصرية. الأمر نفسه تكرر في أزمة المعتمرين المصريين في مدينة جدة السعودية، حينما علق الآلاف بمطار جدة لمدة أربعة أيام دون طعام أو رعاية طبية، حيث قام مسؤولو المطار هناك بوضعهم في أمكان ضيقة مما ترتب عليه حدوث إغماءات ومشاكل صحية لكثير منهم، خاصة النساء وكبار السن. وكعادتها لم تفعل الحكومة المصرية شيئا سوى الإعلان عن أنها تتابع مع السلطات السعودية الموقف وتبذل الجهود لإعادة المعتمرين، دون الحديث طبعا عن السعي لمعرفة أسباب ما حدث ومسؤولية السلطات السعودية، فضلا عن المطالبة بتعويض هؤلاء المصريين عن الإهانات التي تلقوها على أيدي سلطات المطار والتي سجلوها في شكاوى رسمية بعد وصولهم مصر وقالوا خلالها إن رجال المطار قاموا بإهانتهم ردا على اندلاع الثورة المصرية وإسقاطها نظام حكم حسني مبارك ثم محاكمته. أما القنصل المصري في جدة فقد حمل المصريين مسؤولية الأحداث، مشيراً إلى أن عدد المعتمرين المصريين هذا العام الذي زاد بأكثر من 50% عن الأعوام الماضية، وحرص عدد كبير منهم على الانتظار والتأخر عن موعده حتى يشهد ليلة 27 رمضان وليلة ختم القرآن، هو الذي أدى إلى زيادة عدد المتكدسين، وليس سلوك السلطات السعودية.  هو نفس الفكر الذي ساد في العهد السابق حيث لا كرامة لمصري في أي دولة بسبب تراخي الدبلوماسيين المصريين عن تقديم أي مساندة أو دعم لهم.. والحرص على عدم إغضاب مسؤولي الدولة التي يقيم فيها الدبلوماسي على حساب المصريين. لاشك أن وزارة الخارجية المصرية بسياساتها ودبلوماسييها تحتاج إلى ثورة حقيقية من أجل انتشالها من القاع السحيق الذي وصلت إليه.. وهذا لن يتحقق إلا في ظل حكومة منتخبة تستطيع اتخاذ القرارات دون خوف.. وليست حكومة مرتعشة كحكومة عصام شرف الحالية.