19 سبتمبر 2025
تسجيلفعل أخرق أدخل المنطقة في حالة من التشرذم لم تتعاف منها إلى الآن حلم الوطن العربي الواحد تبدد على يد دعاته صدام كان طاغية لبس زيفاً رداء العروبة والغزو كشف وجهه الحقيقي كنظام قمعي توسعي لم تعد صورة الزعيم الأوحد واردة في ظل قيادات أصبحت مثار السخرية النظام العربي الشمولي يستحضر الخطاب القومي مرة أخرى ليجيش الجموع الخطاب القومي الذي تسوقه الأنظمة القمعية باهت أمام جرائمهم وخياناتهم في صيف عام 1990 فجعت المنطقة بجريمة احتلال الكويت من قبل نظام صدام حسين في العراق، أدخل هذا الفعل الأخرق المنطقة في حالة ضعف وتشرذم لم تتعاف منها حتى يومنا هذا، كانت جريمة احتلال الكويت قاصمة ظهر بالنسبة للخطاب القومي تحديداً، فتبدد حلم الوطن العربي الواحد على يد دعاته، انقسم العرب شعوباً وحكومات بين مؤيد لطاغية لبس زيفاً رداء العروبة في مواجهة أعدائها ومدافع عن حق الكويت والكويتيين في الحرية، ما أن تحررت الكويت حتى تكشف حجم الشرخ الذي خلفه الغزو في جسد الأمة العربية، ومنذ ذلك الحين خفت نجم القومية العربية الذي بدأ تراجعه منذ هزيمة 67 ليس في الخليج فحسب بل في الأمة جمعاء. الكثير من أبناء الشعوب العربية وجدوا في صدام وحربه على إيران وخطابه حول إسرائيل صورة رومانسية للحاكم العسكري القومي القوي، وجدوه استعارة ضعيفة لنموذج جمال عبدالناصر الذي ظل قطاع كبير من الأمة متيماً بقصته وخطاباته حتى بعد انحسار مشروعه، ولكن، كما انتهى حلم عبدالناصر بسقوط الوحدة مع سوريا عام 1961 ثم الهزيمة بعد 6 أعوام، انتهت رمزية صدام حسين ونظامه بعد غزوه للكويت، تكشف وجه النظام الحقيقي كنظام قمعي توسعي يستغل العاطفة الشعبية وحالة فقدان البوصلة والحلم بالمخلص ليبرر جرائمه وعدائيته، تماماً كما فعلت الأنظمة العسكرية في مصر وسوريا قبله، تحررت الكويت ومعها العقل العربي الأسير بصورة القائد الأوحد ببزته العسكرية وحذائه الذي ظل جاثماً على رقاب الفقراء والمساكين الهاتفين باسمه. اليوم وبعد غياب طويل يعود النظام العربي الشمولي ليستحضر الخطاب القومي مرة أخرى ليجيش الجموع، هذه المرة ليبرر صراع البقاء الذي تخوضه الأنظمة العربية القومية في مواجهة التغيير والإصلاح، وفي محاولة استعداء الشعوب للنموذج التركي والمحور الداعم لثورات الشعوب، فجأة أصبحت المعركة في ليبيا ليست بين أطراف ليبية متصارعة بل صراعاً وجودياً عروبياً أمام تدخلات خارجية، في تغافل خبيث عن واقع أن الطرف الذي يدعون أنه ينافح عن القومية العربية استدعى المرتزقة من روسيا وغيرها، وفي إنكار تام لأي رابط يجمع العرب بالأتراك الذين نشاركهم العقيدة والتاريخ، وبعيداً عن واقع أن طرفاً يقوده مجرم حرب يدعمه مجرمو حروب آخرون، وأن مقعد الجامعة العربية يشغله من استعان بالشقيق التركي في مواجهة عصابات فاغنر ومشغليها. لم تعد صورة الزعيم الأوحد واردة في ظل قيادات أصبحت مثار السخرية، وفي عالم وسائل الاتصال التي كشفت العيوب التي كان يغطيها ندرة الظهور وهندسة التواصل مع الجمهور، وصار الخطاب القومي الذي تسوقه هذه الأنظمة باهتاً أمام جرائمهم وخياناتهم المستمرة لشعوبهم أولاً وللقضايا العربية بشكل عام، حتى على سبيل الدعاية السياسية لا تسوق هذه الأنظمة اليوم دعوات التحرير من العدو كما كانت تفعل بل تبرر السلام معه، ولا تقول إن الطريق إلى القدس يبدأ من هنا أو هناك بل تعلن صراحة وحدة المصير مع محتلها، هذا الاجترار لخطاب التخدير والعواطف إذ كان يحمل الجموع على الهتاف بروح الزعيم لا ينفع اليوم إلا مع المضطر لتصديقه والخائف من نكرانه، حتى هم يعرفون أن خطابهم لا يصدق، ولكنه الغريق يتعلق بقشة الوهم، فكما خلص الله الكويت من أدعياء العروبة سينتهي أدعياء اليوم إلى ذات المصير ولو بعد حين.