16 سبتمبر 2025

تسجيل

النزيف الروسي القاتل في رمال الشام

03 أغسطس 2016

المشكلة الحقيقية التي تواجه أي قيادة لأي دولة في العالم كبر شأنها أم صغر، هي مشكلة الغرور والتعالي والنظرة الفوقية للشعوب، وأهم خطأ إستراتيجي يتكرر دائما وأبدا هو "عدم الاتعاظ" أو حتى التعلم وأخذ العبرة من الدروس التاريخية القاسية السابقة التي تسببت في انهيارات كبرى. ولن نغوص في التاريخ مطولا لنؤكد أن خطأ نابليون القاتل في استنزاف جيشه في ثلوج روسيا عام 1812، هو الخطأ نفسه الذي كرره زعيم الرايخ الألماني الأسبق أدولف هتلر في حملته الروسية عام 1941. وهو خطأ فاحش ورهيب كان سببا في انهيار إمبراطوريات غيرت خارطة الدنيا، ثم انهارت كحطام، ولروسيا المعاصرة تجربة قاسية هي الأخرى في التاريخ المعاصر، وهي تجربة مدمرة كانت أحد الأسباب الرئيسية في انهيار الاتحاد السوفيتي الذي كان يمثل القطب الدولي المعادل للقطب الأمريكي، وكان قائدا وزعيما وملهما للكتلة الشرقية ولحلف وارسو الذي كان ذات يوم بصدد إعلان المواجهة النووية التدميرية مع الغرب، في عام 1978 ارتكبت الترويكا السوفيتية التي كانت تعيش شيخوختها وأيامها الأخيرة غلطة العمر عبر التدخل العسكري المباشر للجيش الأحمر السوفيتي في معمعة الصراع الداخلي في أفغانستان لتدافع عن النظام الشيوعي -نظام بابراك كارمل وحفيظ الله أمين ونور تراقي وأخيرا نجيب الله- وكان السوفييت في بداية التدخل يدعمون بقاء النظام الشيوعي في منطقة هي الأخطر في أواسط آسيا ظنا منهم وبتقديرات خاطئة أن الوجود المباشر للجيش الأحمر سيردع أي محاولات للنيل من النظام الشيوعي الوليد! ولكن التقديرات كانت خاطئة بالمطلق، فقوة الجيش ألأحمر قد تم استنزافها بالكامل بعد أن وقعت في فخ السحب نحو التورط في نزاعات داخلية كانت مدخلا لتعميق مشاكل الكتلة السوفيتية في عز اشتعال مرحلة الحرب الباردة، ما عجل بالانهيار التام والشامل بعد عقد من السنين فقط لا غير. اليوم تبدو حسابات القيصر الروسي الجديد بوتين متشابهة تماما مع تقديرات الترويكا السوفيتية السابقة، فالتحدي الروسي الأهوج للشعب السوري والتدخل العسكري المباشر في ضرب الثورة السورية الشعبية الذي وصل لمرحلة الاحتلال العسكري الروسي المباشر للأرض السورية وإقامة القواعد العسكرية الجوية والبحرية والبرية، وصَوَلات الطيران الروسي في تدمير المدن والمواقع السورية وبأقوى أسلحة الدمار الشامل التي تتم تجربتها بأجساد السوريين وتحت مبررات واهية وسقيمة ولا مصداقية لها أبدا، جميعها أحداث هيأت للقيادة الروسية أوهاما مميتة بأنها، وعن طريق القوة المفرطة، تستطيع كسر إرادة الشعب السوري الحر، وضمان بقاء النظام والحليف الإستراتيجي الذي تخلى تماما عن السيادة والكرامة ليكون خادما مطيعا للمصالح الروسية والإيرانية وكمخلب قط طائفي في المنطقة! خسائر الروس المتنامية والمتصاعدة في الحرب السورية لن تقتصر نتائجها على ميادين الصراع، بل ستتعداها كما أثبتت التجربة التاريخية المرة لعمق الوضع الداخلي الروسي. وسحل جثث العسكريين الروس المتساقطة على الرمال السورية تعيد للأذهان صور النزيف الروسي المرعب في جبال أفغانستان، وهو النزيف القاتل الذي تسبب لاحقا في انهيار الإمبراطورية الشيوعية وإفلاس الأممية الدولية، ونهاية الحلم الشيوعي الطوباوي! ، ويبدو واضحا للجميع أن القيادة الروسية وهي تمعن في زيادة تورطها وإرسال شحنات حقدها القاتلة، وتسليط آلتها الحربية الإرهابية الفظة على أجساد أطفال حلب وإدلب وحمص وكل مناطق الثورة السورية، فهي إنما تصعد للهاوية وتحفر الأسس الحقيقية لانهيارات عسكرية ومعنوية قادمة لا محالة. [email protected]