15 سبتمبر 2025

تسجيل

اختلاف التنوع في تفسير القرآن

03 أغسطس 2013

حظي كتاب الله القرآن، بعناية واهتمام المسلمين، في كل عصر من عصور الدولة الإسلامية، على امتداد تاريخها الطويل الزاهر والباهر، الذي نبغ فيه الكثير من جِلة العلماء في شتى ضروب العلوم، وصالوا وجالوا في ميادينها، وأحرزوا قصب السبق، وبلغوا شأواً عظيماً حتى شرق ذكرهم وغرب، وصاروا كالكوكب يجلي ظلمة الغيهب، بيد أن القرآن وعلومه كان له النصيب الأوفر من بذل الجَهد والدرس، واسترخاص النفيس والنفس، فتناولوا وقلبوا جوانبه، من حيث تجويده وتفسيره، وقراءاته ومفرداته، وبلاغته ومجازه، وفصاحته وإعجازه. واشتغلوا أكثر ما اشتغلوا بعلم التفسير، لخطورته وأهميته في فهم ما جاءت به الآي، من الأحكام والحدود، والأوامر والنواهي، والقصص ذات الحكم والعبر، وأبرز ما يميز تفسير القرآن في كثير من آياته البينات، هو اختلاف وتعدد الأقوال في تفسيرها، واحتمالها أوجهً عدة من المعاني، وعندما يُعلم أن كل هذه المعاني المختلفة، اختلافها قائم على التنوع الذي لا تضاد فيه، يظهر جلياً للعيان، لمعشر الإنس والجان، إعجاز هذا القرآن العزيز المعجز، (وإنه لكتاب عزيز . لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد). وسنعرض من لطائف ونِكات هذا التنوع في آيتين كريمتين، الأولى قوله تعالى:(فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيرا) الآية 52 من سورة الفرقان، كل كتب التفاسير تقول بإجماع أن الضمير في به يعود على القرآن، ولكن المتأمل في الآيات التي سبقت هذه الآية، والتي تليها، يجد أنها تتحدث عن الماء، ابتداءً من قوله تعالى: (وأنزلنا من السماء ماء طهورا . لنحيي به بلدة ميتا ونُسقيَهُ مما خلقنا أنعاماً وأناسيَّ كثيرا . ولقد صرفناه بينهم ليذكروا فأبى أكتر الناس إلا كفورا) وصولاً إلى الآية السابقة، وما يليها من الآيات (وهو الذي مرج البحرين...) الآية. ومن هنا جاء قولٌ لفضيلة الشيخ والأستاذ الدكتور العلامة مبروك عطية أبو زيد، خلص فيه إلى أن الضمير في به عائد على الماء وليس القرآن؛ لأن من أصول وقواعد اللغة أن الضمير يعود على أقرب مذكور قبله، فلا بد إذن من أن يذكر الشيء الذي يعود عليه الضمير قبله، وينسب الضمير إلى أقرب مذكور منه. ولقائل أن يقول: كيف يكون الجهاد بالماء؟ ونقول: إن من المعلوم أن الجهاد يتطلب توفر أسباب القوة والعدة، ويستدعي التجهيز والتحضير، والبقاء على أهبة الاستعداد، لقوله سبحانه: (وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم...) الآية، ومن أهم وأكبر هذه الأسباب الماء، الذي هو سبب حياة كل ما فيه حياة (وجعلنا من الماء كل شيء حي)،يعزز هذا، الخبر المشهور في كتب السيَر، الذي حدث في غزوة بدر، حينما اختار النبي أدنى موقع من ماء بدر للنزول عليه، فقال له الحباب بن المنذر: يا رسول الله، أمنزل أنزلك الله إياه،أم هو الرأي والحرب والمكيدة؟ فقال النبي بل هو الرأي والحرب والمكيدة، فأشار على النبي إذ ذاك أن يجعل ماء بدر كله وراءهم فيقاتلوا القوم، ويشربوا ولا يشربون. والناظر في واقع الأمم المحسوس، يرى الكثير من حالات النزاع والصراع على مصادر الماء، إذ هو قِوام عيش الأفراد، ومِلاك اقتصاد الدول، وتالياً فهو العامل العمدة في ازدهارها ورخائها والضامن لقوتها وأمنها واستقرارها، وهذا أمر مسلم به، ولا خلاف فيه. أما الآية الثانية، فهي قوله عز وجل: (وأما بنعمة ربك فحدث)، وفي تفسيرها قولان، الأول شكر نعم الله الذي يكون بالتحدث عنها والثناء بها على المنعم، وإظهار آثارها، وقد قيل إن من شُكر النعمة أن يُحدث بها، والقول الآخر أن المقصود بالنعمة هي نعمة الإسلام والإيمان وكتاب الله القرآن، ومما لا شك فيه، أن الإسلام هو أعظم نعمة يسبغها الله على الإنسان، وكفى بها نعمة، فيكون في الآية أمر من الله لنبيه عليه الصلاة والسلام، أن يتحدث به داعياً إليه مرغباً فيه، مبشراً به، وهو أمر ليس خاصا بالنبي فحسب، بل هو لكل مسلم متبع منتسب لملة وأمة الإسلام، (قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني وسبحان الله وما أنا من المشركين).