31 أكتوبر 2025
تسجيلمنذ اليوم الأول لدخول الرئيس المصري الجديد الدكتور محمد مرسي القصر الجمهوري، بدأ في تطبيق إستراتيجية ذات شقين: أولهما ترضية جميع الأطراف، فيما يتمثل الشق الآخر في تبريد الصراع مع المجلس العسكري. وذلك لمواجهة الجبهات المتعددة التي فتحت ضده نيران العداء منذ لحظة إعلان فوزه بمنصب رئيس الجمهورية، والتي بدأت بالتشكيك في استمرار انتمائه لجماعة الإخوان المسلمين، وصولا إلى التشكيك في ولائه للدولة المصرية. حيث راح كثير من السياسيين والإعلاميين يتحدثون عن ارتباط مرسي بالتنظيم الدولي لجماعة الإخوان، والذي تتعدى أهدافه حدود الدولة المصرية إلى تخوم العالم الإسلامي كله. ولم يتوقف الأمر عند حدود التشكيك في الولاء، وإنما تعداه إلى وضع العراقيل أمام الرئيس لإفشاله، خاصة ما يتعلق بتعهداته بتطبيق برنامج المائة يوم لحل مشاكل الأمن والمرور والخبز والوقود والقمامة. ولعب الجهاز الإداري للدولة بمساندة من أجهزة الإعلام والكثير من السياسيين دورا كبيرا في مواجهة كل خطوة يخطوها الرئيس في هذا الإطار. فحينما أعلن عن مبادرة "وطن نظيف" لإزالة القمامة من الشوارع، تكاسل الجهاز الإداري للدولة المنوط به تنفيذ الحملة بالتعاون من المواطنين والقوى السياسية الداعمة للرئيس. كما قامت وسائل الإعلام بشن حملة إعلامية شرسة ضد المبادرة، مؤكدة أنها مجرد دعاية إعلامية الغرض منها تلميع صورة الرئيس. في ظل هذه الأجواء، سعى الرئيس إلى تفادي الصدام مع القوى المعارضة له، فضلا عن القوى التي أيدته في الجولة الثانية من الانتخابات، والتي بدأت في الحديث عن ضرورة تشكيل الحكومة ومؤسسة الرئاسة بحيث تضم عناصرها إضافة إلى عناصر من القوى السياسية الوطنية الأخرى. لذا كان قرار الرئيس بتأخير تشكيل الحكومة من أجل التوافق على شكل الحكومة الجديدة، إضافة إلى الالتفاف على محاولات الجهاز الإداري للدولة بقيادة حكومة الجنزوري لصنع أزمات حياتية تزيد المشاكل التي سوف تواجهها الحكومة الجديدة بغرض إفشالها وإسقاط الرئيس معها. وحينما جاء أوان تشكيل الحكومة بعد مرور شهر كامل، وقع اختيار الرئيس على رئيس وزراء بعيد تماما عن الشخصيات التي طرحتها كافة القوى السياسية، ثم اختيار وزراء يمثلون كافة ألوان الطيف السياسي، مع إبعاد جماعة الإخوان التي ينتمي إليها من المشاركة فيها سوى بثلاثة وزراء فقط، لتجنب حرق قياداتها في هذه الحكومة التي ستكون مؤقتة، حيث سيتم تغييرها مع بداية العام الجديد بعد إقرار الدستور وإجراء انتخابات مجلس الشعب، حيث سيكون تشكيل الحكومة بالتوافق بين الرئيس والبرلمان. وبالتوازي مع ذلك، عمل الرئيس على تبريد الصراع مع المجلس العسكري عبر الامتناع عن اتخاذ قرارات تؤدي إلى استعادة صلاحياته التي منحها المجلس العسكري لنفسه عبر إصداره الإعلان الدستوري المكمل قبل ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية، لمنع الرئيس الجديد من السيطرة على مفاصل الدولة، وحتى يمكن إفشاله وبالتالي إسقاطه عبر وضع العراقيل أمامه. وحتى القرار الوحيد الذي حاول الرئيس من خلاله استعادة بعض من صلاحياته، والمتعلق بإعادة مجلس الشعب المنحل للعمل مرة أخرى، قوبل برد فعل شديد من المجلس العسكري عبر أدواته القضائية والإعلامية. فقد قامت المحكمة الدستورية العليا بإبطال قرار رئيس الجمهورية رغم أنه عمل من أعمال السيادة لا ولاية للقضاء عليه، وفي الوقت نفسه قام الإعلام بشن حملة شرسة ضد الرئيس بحجة أنه لا يحترم أحكام القضاء. هنا كان على الرئيس ومن وراءه جماعة الإخوان، تبريد الصراع من أجل تحقيق نجاح إستراتيجي يتمثل في تمرير عمل اللجنة التأسيسية للدستور التي من المتوقع أن تنتهي منه في شهر أغسطس الجاري وعرضه للاستفتاء في شهر سبتمبر المقبل. وحينها سيستعيد الرئيس صلاحياته وفقا للدستور الجديد كما سينتهي دور المجلس العسكري. عندها يمكن أن يشكل الرئيس حكومة جديدة وفقا لموازين القوة التي ستصنعها الانتخابات البرلمانية والتي لن تختلف كثيرا عن تلك التي كانت موجودة في البرلمان المنحل من حيث وجود أغلبية عددية لجماعة الإخوان المسلمين التي ينتمي إليها الرئيس. وهو ما يعني تشكيل حكومة تكون أغلبيتها من الجماعة دون أن تكون هناك اعتراضات كبيرة من القوى السياسية ومن المجلس العسكري الذي سيكون حينها قد فقد كل أدواته السياسية والقانونية في مواجهة الرئيس.