14 سبتمبر 2025
تسجيلليس تبريراً للعنف، ولا تشجيعاً عليه في أي مكان في العالم، ولكن كان على فرنسا أن تتوقع أنها ستجني، عاجلاً أم آجلاً، بعض الثمار المرة لسياساتها التي لم تنته في العمق، رغم أن الاستعمار انتهى منذ زمن طويل بعد أن دفعت الجزائر مليون شهيد من أبنائها في سبيل استقلالها. صحيح أن سبب العنف الذي ما زال مستمرا منذ أسبوع تقريبا في العاصمة الفرنسية باريس وبعض المدن الأخرى اندلع بسبب حادث فردي عندما قتل شاب فرنسي من أصل جزائري يبلغ السابعة عشرة من عمره على يد رجل أمن فرنسي في الشارع، إلا أن ردود الفعل تعدت الحادث الفردي لتشمل تاريخاً كاملاً من العلاقة الدموية ما بين فرنسا والجزائر، ما يجعل الأمر أكثر تعقيداً من مجرد عنف يقوده المهاجرون والمجنسون والفرنسيون من أصول جزائرية وأفريقية وأقليات أخرى مهمشة ردا على مقتل الشاب البريء. فالحرائق التي يشعلها هؤلاء في كل باريس هذه الأيام ليست سوى قبس من نار تشتعل في صدورهم بسبب ما يواجهونه من عنصرية فرنسية عبرت عن نفسها دائما بصياغات مختلفة وصور عديدة رغم الادعاء بعكس ذلك ومحاولات إخفاء ملامحها البشعة بأطنان من مساحيق الزينة العصرية وإخفاء رائحتها النتنة بقناني العطور الفاخرة. وما حدث ويحدث في فرنسا يمكن أن يحدث لذات الأسباب في بلدان أخرى تزدهر فيها العنصرية، ذلك أن معظم النار من مستصغر الشرر، والحوادث الفردية كثيرة، وإن استطاعت حكومة ما تجاوز إحداها لسبب أو آخر فإن هذا لن يستمر في النفوس المكتنزة بشعور الظلم والهوان طويلا. وهو ما يجعل البشر حاليا في اختبار إنساني حقيقي، فهم إما أن ينحازوا لمعناهم الإنساني الفطري وصولاً إلى العدالة والمساواة بين البشر، وإما أن يعززوا عنصريتهم ويبحثوا عما يغذيها وينميها في نفوسهم ومجتمعاتهم ما يهدد السلم كله بحروب لا تنتهي!. وعودة الى الحالة الفرنسية الحاضرة أمامنا الآن في ما نشاهده بكل وسائل الإعلام، كنموذج متكرر لثمار العنصرية المرة، نجد أن بعض العنصريين العرب على سبيل المثال منحازون للخطاب الرسمي الفرنسي، وكأن العنصرية التي يمارسونها ليل نهار في بلدانهم العربية، كل على حدة، ضد آخرين يقيمون معهم أو يشاركونهم في المواطنة غير كافية فقرروا أن يجعلوا من عنصريتهم عابرة للقارات والمحيطات، فهم يبررون قتل الشاب ذي الأصول الجزائرية على يد الشرطة الفرنسية بأن ذلك من حق الشرطة ما دامت فرنسا قد تفضلت عليه أو على أهله بالجنسية الفرنسية، ويضعون اللوم على الضحية ومجتمعها العرقي أو الديني، فيقفزون لنتيجة الشارع متجاهلين الأسباب التي أدت إلى ما يحدث عمداً! بل إنني قرأت تغريدات لبعضهم تحض على قتل المزيد من المهاجرين أو طردهم وإعادتهم قسرا إلى بلدانهم الأصلية، ما داموا مستمرين في التعبير عن غضبهم تجاه سياسات التمييز التي تمارس ضدهم، فما دامت فرنسا قد أنعمت عليهم بالمواطنة بعد هروبهم من بلدانهم الأصلية نتيجة فقر أو قهر أو بحث عن حرية، عليهم أن يقبلوا بفتات ما ترميه لهم فرنسا ويوافقوا على أن يكونوا مجرد ديكور لتكملة صورة ديمقراطيتها المدعاة. وهذا هو العجب العجاب من هؤلاء العرب! ستخفت نيران الاحتجاجات خلال الساعات أو الأيام القليلة المقبلة، وفقا لتوقعات المراقبين، ولكنها على أية حال ستخلف وراءها رمادا لابد أنه سيشوه صورة باريس باعتبارها عاصمة الفنون والآداب والموضة والتنوع الثقافي التاريخي، فلا قيمة لهذا كله أمام دم شاب بريء ذهب ضحية عنصرية تتفاقم في شوارعها!. @saadiahmufarreh [email protected]