13 سبتمبر 2025
تسجيلجاءت موافقة الشعب البريطاني على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي، صدمة للكثير من دول العالم، وخاصة من القارة الأوروبية، فلم يتوقع أحد الخروج بهذه السهولة من الاتحاد الذي عملت الدول الغربية في تطبيقه بالتدريج لما يصل إلى نحو ستين عامًا، على اعتبار أن هذا الاتحاد نموذج رائع للتكتلات السياسية والاقتصادية في عالم اليوم، كما أنه هو في الظاهر بما يمثله من فوائد اقتصادية للمملكة المتحدة، حيث يملك الاتحاد الأوروبي واحدًا من أكبر المناطق التجارية في العالم، ويقدر المحللون أن ناتجه المحلي الإجمالي يتجاوز 25% من إجمالي الناتج المحلي العالمي. كما أن عضوية الاتحاد الأوروبي تستفيد منها الحكومة البريطانية فوائد كبيرة خاصة الاستثمارات الأجنبية المباشرة. إذ تقدر سنويا في الغالب الأعم بما يقارب مليارا ونصف المليار دولار أمريكي نصفها له علاقة بالاتحاد الأوروبي.. فما الأسباب غير المعلنة، أو غير الاقتصادية التي دفعت الشعب البريطاني إلى الموافقة على الانسحاب من الاتحاد الأوروبي؟ لم تعلن الحكومة البريطانية عن الأسباب الحقيقية للانسحاب من الاتحاد، إلا أنها قالت إنها استجابت لرغبة الشعب البريطاني، وهذا ليس كافيًا لشرح هذا التوجه من أغلبية الشعب البريطاني للخروج من الاتحاد دون البقاء فيه، لأن الخسارة الاقتصادية كبيرة، وستستمر لفترة طويلة، وكما وصفها البعض بأنها أخطر القرارات لبريطانيا منذ الحرب العالمية الثانية بعد رفض الزعيم تشرشل الإنذار الألماني للاستسلام بعد القصف الألمان العنيف للعاصمة البريطانية لندن، ونجاح الإنجليز في الصمود والمقاومة.ومن الأسباب القوية التي جعلت البريطانيين يصوتون للخروج من الاتحاد الأوروبي، حسب التوقعات والتحليلات، هي الهجرة المتزايدة من مواطني الاتحاد الأوروبي خاصة من دول أوروبا الشرقية التي انضمت مؤخرًا إلى الاتحاد، وكانت سابقًا ضمن المعسكر الاشتراكي الذي كان يتزعمه الاتحاد السوفييتي السابق قبل تفككه في عام 1991 من القرن الماضي، وهذا ما قاله وزير التوظيف المحافظ والمتشكك بالاتحاد الأوروبي بريتي باتيل أثناء جلسة مناقشة شاركت في استضافتها النسخة البريطانية لـصحيفة (هافينجتون بوست) "إن بريطانيا لا تملك سيطرة كاملة على سياسات هجرتها نظرًا لعضويتها في الاتحاد الأوروبي، وهو الرأي الذي يوافق عليه كثير من مؤيدي المغادرة البريطانية، وحسب استطلاع رأي أجرته صحيفة التلجراف البريطانية بالتعاون مع ORB على 800 شخص، فإن 52% يؤمنون بأن قرار الخروج من الاتحاد سوف يحسّن من نظام هجرة المملكة المتحدة". وكانت مجلة (الإيكونو ميست) البريطانية قد كتبت في أبريل 2016 "أن العلاقة بين معاداة الهجرة ودعم قرار المغادرة من الاتحاد علاقة قوية ومرتفعة، وبهذا تمكّن أنصار حملة المغادرة من تحويل قضية الاستفتاء إلى قضية استفتاء على الهجرة، فسيفوزون لا ريب -وهو ما تحقق فعلا عبر التصويت الأسبوع الماضي- حيث كان أنصار الخروج مؤخرًا قد صوروا قضية الهجرة على أنها أحد أعمدة منصة خطابهم، وأنها قضية لن تنجح معالجتها إلا بالخروج من الاتحاد الأوروبي. وهذا التصويت كان بمثابة الرغبة في الحد من مخاطر اجتماعية وسياسية وربما اقتصادية بسبب الهجرة، حيث إن حرية التنقل التي هي أهم عناصر عضوية الاتحاد الأوروبي والتي تمكّن مواطني الاتحاد من العمل بحرية كاملة دون أن يتطلب ذلك الترخيص لهؤلاء المهاجرين بحكم عضوية دولهم في الاتحاد، وزادت في السنوات الأخيرة حتى فاقت كل التوقعات حسب ما قاله بعض السياسيين البريطانيين المؤيدين للانسحاب من الاتحاد، ولا شك أن الحكومة البريطانية درست بشكل عميق كل الخيارات الإيجابية والسلبية، ولم تطرح التصويت إلا بعد أن رأت أنها رغبة شعبية للخروج من الاتحاد، ومع أن هذا الخروج ستكون له تداعيات سياسية واقتصادية، فالحفاظ على الهوية والخوف من الانصهار مع تكاثر الهجرات الأوروبية وغير الأوروبية جعلت الحكومة البريطانية تطرح الأمر للتصويت الشعبي للاختيار، حتى لا تكون هي التي اختارت الانسحاب دون رغبة المواطن البريطاني، مع أن الأضرار الاقتصادية كبيرة وربما خطيرة بمقاييس الربح والخسارة، لكنه قرار جاء بإرادة شعبية في النهاية. أما ما يتصل بالنتائج فإنها ستظهر وتتضح تباعا.