14 سبتمبر 2025
تسجيلإن من طبيعة البشر التي لا مهرب منها أنهم يخطئون فكل ابن آدم خطَّاء وخير الخطائين التوابون ،وإذا كان الخطأ متوقعا بهذه الصورة من كل إنسان فلابد من وجود منهج ثابت في الشرع الحكيم لمواجهة أخطاء البشر وجيل الصحابة هو أفضل أجيال الأرض بل شهد لهم رب العالمين سبحانه وتعالى في أكثر من موضع في كتابه الكريم،" رضي الله عنهم ورضوا عنه " ولكن ليس معنى ذلك أن الصحابة ليسوا بشرا، أو أنه لا تجري عليهم أحكام البشر التي تجري على عامة الناس ومنها وقوع الخطأ نعم الخطأ في حقهم قليل وأخطاؤهم تذوب في بحار حسناتهم، إلا أنها في النهاية موجودة وكان للرسول صلى الله عليه وسلم منهج واضح ثابت في معالجتها وإن شئت أن تقول هذا المبدأ في كلمة واحدة فستكون هذه الكلمة هي منهج الرحمة، فالإيجابية لها تأثير ثنائي الأبعاد فهي عامل مشترك يقع دائما بين الفرد والمجتمع، فهناك ما يسمى بالإيجابية الفردية والتي تشتمل على الارتقاء بالنفس وتطويرها والثانية الإيجابية الاجتماعية أو الجماعية وهى قدرة الفرد على التفاعل مع قضايا مجتمعه والمشاركة في الأحداث وصنع القرار فأكثر ما يعاني منه مجتمعنا كون أكثر أفراده يعانون من السلبية سواء في إدراك الأمور أو التعامل معها أو في ردات الفعل تجاهها ،فلابد وأن يكون الهدف من تصرفاتنا النظرة إلى النتيجة المتحققة وما هو التصرف الذي يحقق المصلحة.عندما نعي هذا الأمر سوف تتحول تصرفاتنا وردات أفعالنا بشكل كبير للأفضل وسوف نتحكم بمشاعرنا لأن همنا ليس تحقيق مصلحة ذاتية وقد يتعجب إنسان من أن يكون منهج علاج الخطأ هو منهج الرحمة، لأن الذي يقفز مباشرة إلى الذهن عند الحديث عن الأخطاء هو العقاب، وليس الأمر كذلك على الدوام، بل كان الكثير من الأخطاء يعالج عن طريق الابتسامة والتوجيه والنصح والتعليم قبل أن يأتي عقاب أو شدة، وبينما كان النبي صلى الله عليه وسلم جالسا ذات يوم بين أصحابه في مسجده، إذ دخل أعرابي فصلى ركعتين ثم قال: اللهم ارحمني ومحمدا ولا ترحم معنا أحدا، فقال رسول الله: لقد حجرت ( ضيقت ) واسعا، ثم ما لبث أن عرضت له حاجته فتنحى وتبول في ناحية من المسجد، فثار إليه الصحابة ليقعوا به بسبب هذه الفعلة الشنيعة وهو الذي دعا عليهم قبل قليل بالحرمان من رحمة الله، ثم هو لا يدرك حرمة المساجد ،فرأى النبي هبة الصحابة في وجه الأعرابي، وأدرك أن مثل هذا الأعرابي جاهل بأحكام المساجد غير قاصد هتك حرمتها، فقال: لا تزرموه دعوه وذلك حتى لا يتأذى بحبس بوله وانقطاعه، وأرشدهم إلى حل بسيط تصغر بمثله كل مشكلة مهما كبرت في عيون أصحابها، فقال: هريقوا على بوله سجلا من ماء، فإنما بعثتم ميسرين ولم تبعثوا معسرين ثم لما أتم الرجل حاجته دعاه رسول الله صلَّى الله عليه وسلم فقال له موجها وناصحا: إن هذه المساجد لا تصلح لشيء من هذا البول ولا القذر، إنما هي لذكر الله عز وجل والصلاة وقراءة القرآن، وفي هذا الحديث يظهر لنا الرفق بالجاهل وتعليمه ما يلزمه من غير تعنيف ولا إيذاء، وكيفية التعامل مع المخطئ، أولها الدعاء له والحنو عليه والسماح له بالتعبير عن كوامنه، واستجاشة الخير الذي لا يخلو منه قلب خاطئ أبدا، وفيها دعوة لنراجع أنفسنا، في التعبير عن ضجرنا من أخطاء أبنائنا وأصدقائنا، فالسب والشتم الذي نكيله للمخطئين لن يكون سببا في إصلاحهم وتهذيب سلوكهم وتعريفهم بأخطائهم، فالإنسان الإيجابي درجة ينسى فيها نفسه ومشاعره ويكون همه الآخرين وإصلاح المجتمع بقدر ما يستطيع ،إنه ارتقاء بالنفس لمنزلة عليا والسمو بالروح إلى خارج نطاق الإطار البشري المحدود وخارج القيود الأرضية الضيقة.