15 سبتمبر 2025
تسجيلمن ينظر في كل ما فُرِض في الإسلام، من أحكام وواجبات وفرائضَ وأوامرَ، لا يجد فيها ما يشقّ ويعْسر على طبيعة خِلقة الإنسان، وفطرته التي فطره الله عليها، بل إنه سيجد كل ما هو في استطاعة البشر دونما عَنَتٍ أو كُلْفةٍ عليهم، وكل ما يلائم فطرتهم، وفق حكمة الله اللطيف الخبير، العائدة بالخير والمنفعة والمصلحة للعباد، سواء كانت هذه الحكمة معلومة ظاهرة لهم، أو مجهولة خافية عنهم، عَرَفَها من عرفها، وجهلها من جهلها، قال الله تعالى:(ما يريد الله ليجعل عليكم من حرج ولكن يريد ليطهركم وليتمَّ نعمته عليكم لعلكم تشكرون)، وتنبّه إلى قوله: (لعلكم تشكرون)، وقال سبحانه أيضاً:(يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر).ومن لم يستطع شيئاً مما فُرض عليه في الإسلام، لمرضٍ أو عجز أو ظرف ألمّ به، يقول المولى تبارك وتعالى:(لا يكلف الله نفساً إلا وسعها)، ويقول أيضاً:(لا يكلف الله نفساً إلا ما آتاها)، وفي هذا يقول النبي عليه الصلاة والسلام:(إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم)، فدين الإسلام كله برمته، مبنيٌ على الرحمة، ودائرٌ على اليُسر.إنّ مما يريده الله من عباده، ويأمرهم به، أن يكونوا شاكرين لنعمه وآلائه، مثنين بها عليه، الأمر الذي يجعلهم يذكرونه كثيرا؛ لفضله العظيم عليهم، ولكثرة نعمه التي لا تحصى، (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها)، مفضّلاً ومكرّماً إياهم على كثير مما خلق، النعم التي هي كلّها من عنده، دقيقها وجليلها، ظاهرها وباطنها، حديثها وقديمها، ما جاءت منه تعالى أو من طريق وسبب أحد عباده، فهو سبحانه مسبّب الأسباب، (وما بكم من نعمة فمن الله).فهل في ذلك ما يشقُّ ويصعب عليهم؟ الأمر الذي إن حققوه، لم يكن لله غرضٌ ولا مرادٌ من عذابهم، قال تعالى قارناً الشكر بالإيمان ومقدماً إياه على الإيمان:(ما يفعل بعذابكم إن شكرتم وآمنتم وكان الله شاكراً عليما).ما الذي يمنع المرء إذا هو أكل من رزق الله أنْ يشكره ويحمده عليه، وهو جوهر ولب ما يريده الله من عباده، إذ قال سبحانه:(يأيها الذين آمنوا كلوا من طيبات ما رزقناكم واشكروا لله إن كنتم إياه تعبدون)، وفي آية أخرى عند الحديث عن أهل سبأ، الذين أنعم الله عليهم ببلدة طيبة كثيرة الأشجار والثمار، قال جل وعلا:(كلوا من رزق الله واشكروا له بلدةٌ طيبةٌ ورب غفورٌ).وقد جاء عن النبي عليه الصلاة والسلام، في الحديث الحسن، دعاء مخصوص من دعا الله به بعد الفراغ من الطعام، غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، وهو:(الحمد لله الذي أطعمني هذا، ورَزَقَنِيهِ من غير حولٍ مني ولا قوة)، والمطلوب بطبيعة الحال أن يداوم ويحافظ عليه المسلم في كل مطعمه، وعلى طول حياته، ليرضى عليه الله كما جاء في الحديث:(إن الله ليرضى عن العبد يأكل الأكلة فيحمده عليها، ويشرب الشربة فيحمده عليها)، وهذه نعمة أخرى تستحق شكراً آخر، أنك مع قضاء شهوتك من الطعام، إن شكرت الله يغفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر، ويرضى عنك، وشكرك عليها نعمة أخرى تستوجب الشكر، لتوفيق الله لك على شكرها، وتوفيقه نعمةٌ أيضاً تستلزم شكرك عليها، وهكذا دَوالَيْك، لا تفرغ من شكرِ نعمةٍ، حتى تدخل في شكر أخرى، وفي هذا قال الشاعر:إذا كان شُكري نعمةَ اللهِ نعمةٌ عليّ له في مثلها يجبُ الشكرُفكيف بلوغُ الشكرِ إلا بفضلِه وإنْ طالتِ الأيامُ واتّصلَ العُمرُ