17 سبتمبر 2025
تسجيلـ كتاب الله تعالى يسيرٌ مُيسرٌ للجميع، يخاطب الكلَّ بخطاب واحد فيُفهمُ، كتاب كريم يقرأه المتعلم والأميُّ والخاص والعام على حدٍّ سواء، ويَفْهمُ مُرادَهُ كلُّ من طلبه، فلا يحتاج الأمي إلى من يُبسِّطُه له أو ينزل معه إلى المستوى الذي يليق به لكي يدرك المطلوب منه، وهذا على خلاف بقية الكتب وأساليبها ومناهجها فإنها تحتاج إلى من يُبسطها ويفك رموزها ويتنزل بها إلى مستوى من لا يفهمون مقصودها. يقول الدكتور دراز- رحمه الله: لو أنك خاطبت الأذكياء بالواضح المكشوف الذي تخاطب به الأغبياء لنزلت بهم إلى مستوى لا يرضونه لأنفسهم في الخطاب، ولو أنك خاطبت العامة باللمحة والإشارة التي هي للأذكياء لجئتهم من ذلك بما لا تُطيقه عقولهم، فلا غنى لك عن أن تخاطب كل فئة بما يمكنها الفهم والاستيعاب وهذا يتطلب منك بذل جهدين اثنين، حتى تعطي كل طائفة حظها كاملا من البيان.. أما أن جملة واحدة تُلقى إلى العلماء والجهلاء والأذكياء والأغبياء والسوقة والملوك فيراها كل منهم مقدرة على مقياس عقله وعلى وفق حاجته فذلك ما لا تجده على أتمه إلا في القرآن الكريم، فهو قرآن واحد يراه البلغاءُ أوفى كلام بلطائف التعبير، ويراه العامة أحسن كلام وأقربه إلى عقولهم لا يلتوي على أفهامهم، ولا يحتاجون فيه إلى ترجمان فهو متعة العامة والخاصة على السواء، ميسرٌ لكل من أراد.. كما قال تعالى "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِر".. ـ من مِنَّة الله عز وجل أن سهل حفظ كتابه للأمة، فهو محفوظ في صدور الأمة يتلى غيباً دون الرجوع إلى المصحف المكتوب فيه، بينما الأمم السابقة كانت تقرأ ما أنزل إليها من ربها من الصحف مباشرة، فإذا ابتعدوا عنها، أو غابوا تعذرت عليهم القراءة، ولم يمكِنهم الله تعالى من الحفظ في الصدور.. بوب البخاري قال: باب :"وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ"، قال مجاهد: يسرنا :هوَنَّا قراءته .يقول القرطبي قوله تعالى: "وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ" أي سهلناه للحفظ، وأعنا عليه من أراد حفظه فهل من طالب لحفظه فيعان عليه. وقال رحمه الله: قال سعيد بن جبير: ليس من كُتُبِ الله كتابٌ يقرأ كله ظاهراً إلا القرآن.. وقال غيره: ولم يكن هذا لبني إسرائيل، ولم يكن يقرأ التوراة إلا موسى وهارون ويوشع بن نون وعزير، صلوات الله عليهم ومن أجل ذلك افتتنوا بعزير لما كتب لهم التوراة من ظهر قلبه حين أحرقت.وعند قوله جل وعلا: "وَأَلْقَى الْأَلْوَاحَ وَأَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ"، قال: روى في قصة مناجاة موسى عليه السلام أنه قال: يا رب أرى في الألواح أقواما أناجيلهم فيصدورهم يقرءونها، وكان من قبلهم يقرأون كتابهم نظراً حتى إذا رفعوها لم يحفظوا شيئا ولم يعرفوه، وإن أعطاهم من الحفظ شيئاً لم يعطه أحدا من الأمم، قال: رب اجعلهم أمتي قال تلك أمة أحمد".في صحيح البخاري عن عائشة "تصف ورقة بن نوفل، تقول: ".... وكان يكتب الكتاب العبراني ، فيكتب من الإنجيل بالعبرانية ما شاء الله أن يكتب..."..قال ابن حجر: وإنما وصفته بكتابة الإنجيل دون حفظه، لأن حفظ التوراة والإنجيل لم يكن متيسراً كتيسير حفظ القرآن الذي خُصت به هذه الأمة، فلهذا جاء في صفتها أناجيلها صفتها، أناجيلها صدورها. فلما كانت هذه مميزات كتاب الله - كتابِ الأمة، ولم تكن لأي من الكتب السابقة، كان هذا مؤهلاً لها ومُقَوِماً قدمها على الأمم، ورفع مقام شريعتها على سائر الشرائع والمِلل.