16 سبتمبر 2025
تسجيلأعلن رئيس صندوق النقد العربي منذ أسابيع قليلة، أن اقتصادات بلدان الربيع العربي تعاني بشدة من العنف الذي اتسمت به حركات الاحتجاج الشعبية ومن الأزمة المالية العالمية وليس من شك في أن السبب الأول لهذه الأزمة هو تفشي العنف وهزال أجهزة الدولة مما خلق في المجتمعات العربية حالة من فقدان البوصلة وغياب الأمل وبالطبع تفاقم المشاكل الاقتصادية والاجتماعية وفتح الباب أمام المجهول.. وقال جاسم المناعي إن "تلك البلدان بدأت تعاني من تقلص شديد في النمو وصعود مقلق لمعدل البطالة، وتدهور في احتياطي العملات الصعبة وارتفاع التضخم، وأضاف أن اقتصادات مصر وتونس وليبيا واليمن وسوريا، تواجه تزايد العجز في الموازنات وفي ميزان المدفوعات وارتفاعا في الديون. وقد أطاحت انتفاضات شعبية بقادة مصر وتونس وليبيا واليمن في حين ما زال نظام بشار الأسد يواجه حركة تمرد، وانخفض نشاط القطاع المصرفي في معظم تلك البلدان منذ بداية الاحتجاجات الشعبية في يناير 2011 في تونس، فتأكد أن الأزمة المالية العالمية ما زالت تطاول الاقتصادات العربية، وقد تقلل من الطلب على النفط الذي يعتبر أكبر موارد العديد من الدول العربية. وقال المناعي، إنه بسبب الزيادة السريعة للنفقات خلال السنوات الأخيرة سيصعب على عدة دول مصدرة للنفط ضمان توازن في ميزانيتها إذا انخفض سعر برميل النفط إلى ما دون المائة دولار. من جانبهم أشار خبراء العلاقات الدولية، تعليقاً على أحداث العنف الأخيرة التي تلت ظهور الفيلم المسيء للإسلام ثم مقتل السفير الأمريكي في ليبيا وإحراق السفارة الأمريكية في تونس والهجوم على قصر الرئاسة بالقاهرة مؤكدين على أنه يجب أن ينظر إلى هذه الأحداث كتحذير من هشاشة الوضع في ليبيا ما بعد القذافي وفي دول الربيع العربي ككل ما بعد الإطاحة بالأنظمة السابقة.. "فالغضب العارم الذي اندلع في القاهرة وتونس وبنغازي وأودى بحياة السفير الأمريكي في ليبيا، لا يعطي مؤشرا فقط على مدى الغضب وانعدام الثقة الذي يشعر به العالم الإسلامي إزاء الولايات المتحدة، بل يدل أيضا على وجود قوى التطرف وعدم الاستقرار في العالم العربي، والتي كانت مكبوحة الجماح بفعل الأنظمة الديكتاتورية التي أطاحت بها ثورات العالم العربي.. وكان لافتًا بشدة خلال العامين الماضيين حالة الاضطراب الأمني والعنف المجتمعي التي شهدتها دول الربيع العربي، حيث تصاعدت معدلات الجريمة المنظمة والعنف ذي الطابع السياسي، وسجلت جرائم عنيفة لم تعرفها هذه الدول خلال العقود الخمسة الأخيرة أبرزها تمكن الميليشيات القبلية من مفاصل ليبيا الجديدة ونشأة الصراع بين السنة والشيعة بعنف في كل من مصر ولبنان وسوريا واليمن وظهور ما يسمى بلجان حماية الثورة في تونس وهي هيئات هلامية غير محددة الأهداف ولا الوسائل غير بعيدة عن مقتل مناضل سياسي هو لطفي نقض بمحافظة تطاوين في ظروف مجهولة ثم اغتيال زعيم تونسي معروف هو شكري بلعيد على أيد لم يكشف البحث عنها بعد.. والسؤال المحير هو كيف تنبت بذرة العنف في هذه البلدان، ففي مصر شهدت الأسبوع الماضي مقتل وسحل أربعة مواطنين شيعة في قرية أبو نمرس كما شهدت مدنها المختلفة من قبل مذابح مثل أحداث محمد محمود ومجلس الوزراء والقصر العيني وفاجعة ملعب بورسعيد التي راح ضحيتها أكثر من 77 متوفى، ناهيك عن تفشي السرقة بالإكراه والاستيلاء على الممتلكات وغياب الأمن والأمان عن مجتمع معروف بتقاليده وباستقراره. ولم تكن الأوضاع أفضل حالاً في ليبيا المجاورة إذ أخذ العنف يتسع في المدن الليبية ويستخدم لتصفية الحسابات بين الفرقاء الليبيين، ومثال ذلك المعارك التي اشتعلت في مدينة الكفرة بين القبائل العربية وقبائل "التبو" الإفريقية التي أسفرت عن مقتل مئات الليبيين وهي أعمال العنف التي جاءت تصفية لحسابات القبائل لـ40 عامًا من تحيز القذافي لصالح القبائل العربية على حساب نظيراتها الإفريقية، بل إن هذه الأحداث امتدت إلى مطار طرابلس الذي سيطر عليه ثوار من منطقة الزنتان الذين اقتحموا المطار بعد عمليات مواجهة مع قوات الأمن أسفرت عن استسلام القوات وسيطرة الثوار على المطار الدولي مما أسفر عن مقتل العشرات، وفي مدينة سبها سقط أكثر من 250 قتيلاً في أحداث عنف قبلية مماثلة بالإضافة إلى أن الميليشيات المسلحة هي التي أجبرت الحكومة على سن قانون ما يسمى بالعزل وحرمان الدولة الجديدة من كوادر متميزة. وفي تونس المعروفة بهدوئها وميل شعبها إلى الطابع السلمي كانت الأوضاع تسير على الوتيرة نفسها، حيث فرضت الدولة مرات عديدة حظر تجوال على 8 مدن تونسية على أثر اشتباكات على أساس ديني أو حزبي.. بل إن الاجتماعات الحزبية في تونس تحولت إلى مظاهر عنف آخرها العنف الذي ساد ندوة وطنية لمناهضة العنف! حيث تم استعمال اللكمات عوض الكلمات كما أدى عنف الملاعب الرياضية إلى فرض عقوبات دولية على تونس نتيجة إصرار المشجعين على اقتحام الملاعب والاعتداء على قوات الشرطة بشكل مثل تحديًا لهيبة الدولة، وهو ما تكرر بشكل شبه يومي في الجامعات التونسية بين فرقاء من الطلاب حول السماح بالنقاب للطالبات أو منعه أو تحديد استعماله. إن قارب النجاة في هذا البحر العربي المتلاطم الأمواج هو وعي الشعوب بفداحة ومخاطر اللحظة التاريخية التي نعيشها ثم إجراء تغيير عميق وجذري في عقلياتنا وسلوكياتنا وردود أفعالنا حتى نجلس معا جميعا ومن دون إقصاء أحد إلا من أقصى نفسه أو أقصاه قضاء عادل حول مائدة مستديرة من دون زعامات لنتحاور ونتشاور ونتواصى بالحق حتى نبلغ أقوم المسالك لإنقاذ أوطاننا ونتفق على جملة أولويات نشحذ من أجلها الهمم وما استطعنا من قوة لمواجهة المصير العربي المشترك بنهضة حقيقية تشاركية لأمتنا وإلا لا قدر الله فالغرق هو قدر الأمم المهزوزة المهزومة..