15 سبتمبر 2025
تسجيلمنظمة الأوبك هل شاخت أم هناك تطورات عالمية أوجدت تناقضات؟ تتزايد التكهنات التي تشير إلى قرب تفكك منظمة الأقطار المصدرة للنفط "أوبك" تلك المنظمة التي تبنت ودافعت عن مصالح البلدان النامية المنتجة للنفط والتي تشكل البلدان العربية نصف أعضائها تقريبا. لقد تأسست منظمة الأوبك قبل خمسين عاما في العاصمة العراقية بغداد وواجهت على امتداد تاريخها مصاعب وأزمات، إلا أنه لم يجر الحديث قط عن عملية التفكك إلا مؤخرا، مما يعتبر مؤشرا على عمق التفاوتات والخلافات بين البلدان الأعضاء في المنظمة والتي شجعت على زيادة الضغوط عليها من قبل البلدان المستهلكة ممثلة في وكالة الطاقة الدولية والتي عمدت مؤخرا إلى ضخ 60 مليون برميل من مخزونها الاستراتيجي من النفط، مما أدى إلى انخفاض الأسعار وزيادة الاتهامات والاتهامات المضادة بين البلدان الأعضاء في المنظمة. هل شاخت منظمة الأوبك؟ أم أن هناك تطورات عالمية وإقليمية أوجدت تناقضات مستجدة بين البلدان الأعضاء بحيث طغت على المصالح المشتركة التي تجمع تلك البلدان في نطاق الأوبك والتي حققت لهذه البلدان مكاسب كبيرة على مدى العقود الخمسة الماضية، ففي منتصف السبعينيات تضاعفت أسعار النفط خمس مرات، وذلك بفضل تلاحم أعضاء المنظمة للحصول على أسعار عادلة لبرميل النفط، أما في العقود التالية، فقد تدخلت الأوبك بصورة منسقة لحماية أسعار النفط وتثبيتها قدر الإمكان عند مستويات مرتفعة نسبيا، مما حقق للبلدان الأعضاء بشكل خاص والبلدان المصدرة بشكل عام عوائد كبيرة أسهمت في زيادة معدلات النمو والبناء في البلدان المنتجة للنفط. وجاء قرار الوكالة الدولية كرد فعل بعد أن فشلت الجهود التي بذلتها قبل شهر تقريبا لدفع البلدان الأعضاء في منظمة الأوبك لزيادة إنتاجها من النفط، وذلك بعد الانخفاض الكبير في الإنتاج الليبي منذ بدأ الاحتجاجات هناك والذي لم يؤثر كثيرا في حجم الإمدادات في السوق العالمية، حيث تم تعويضه من خلال زيادة إنتاج العديد من البلدان من داخل وخارج المنظمة. ويبدو أن هناك العديد من العوامل التي تستغل الآن لمحاولة وضع نهاية للأوبك، وبالتالي حرمان البلدان المصدرة للنفط من أحد أهم وسائلها الخاصة بالدفاع عن مصالحها في العلاقات الاقتصادية الدولية. ويتمثل العامل الأول في أحداث المنطقة العربية والتي أدت إلى تدهور صناعة النفط وغياب الرقابة الحكومية من جهة، كما هو الحال في ليبيا والعراق والى زيادة حدة الخلافات بين البلدان الأعضاء في المنظمة بسبب تفاوت مواقفها من الأحداث العربية بين مؤيد ومعارض، وبالتالي انعكاس ذلك بصورة سلبية على علاقاتها داخل أروقة المنظمة من جهة أخرى. أما العامل الآخر، فإنه يتمثل في سعي البلدان المستهلكة لاستغلال هذه الظروف لتفكيك غريم تاريخي طالما حاولت إرغامه على التجاوب مع مصالحها المتمثلة في سياسات وكالة الطاقة الدولية والتي تأسست في عام 1974، كرد فعل على تضاعف أسعار النفط ولوضع الاستراتيجيات اللازمة في مجال الطاقة للبلدان المستهلكة، حيث تم في السنوات الأخيرة رغم هذه التناقضات التوصل إلى تفاهمات في حدها الأدنى بين منظمة الأوبك ووكالة الطاقة الدولية. ويتمثل ثالث هذه العوامل في السعي إلى إعادة ترسيم العلاقات في صناعة النفط العالمية لتعبر عن مصالح الاصطفاف الجديد في العلاقات الدولية، حيث فقدت شركات النفط الوطنية في البلدان المنتجة بعض مواقعها في السنوات الأخيرة لصالح الشركات العالمية التي استعادت بريقها السابق بفضل ما تتمتع به من تقنيات متطورة ومن هيمنة في أسواق النفط في العالم. وتشير مجمل هذه التطورات إلى أن حدة الصراع حول الأوبك وحول النفط بشكل عام سوف يشتد في الفترة القادمة، إذ ربما يكون رأس الأوبك هو المطلوب، وذلك بعد أن انتهت من الناحية العملية بعض مؤسسات العالم النامي، كدول عدم الانحياز وتلاشت مقترحات عديدة حول التعاون الاقتصادي والتجاري الإقليمي بين هذه البلدان. وفي كل الأحوال، فإن وضع منظمة الأوبك يختلف تماما عن مثيلاتها من مؤسسات العالم النامي، إذ إنه يرتبط مباشرة بأهم سلعة عالمية تعتمد عليها عجلة الاقتصاد في كافة بلدان العالم وتتوقف عليها عملية النمو برمتها في الدول المصدرة للنفط والتي في معظمها دول نامية لا زال أمامها الكثير لتنجزه على طريق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. من هنا لا بد وأن تعمل البلدان الأعضاء في منظمة الأوبك على طي أو على الأقل تقليص خلافاتها في اجتماعها الأسبوع المقبل، وإلا فإن الخطر الذي يتهددها سوف لن يستثني أحد من أعضائها، مما سيعد انتكاسة كبيرة لصناعة النفط الوطنية في البلدان النامية بشكل عام وفي البلدان الأعضاء في منظمة الأوبك على وجه الخصوص.