10 سبتمبر 2025
تسجيلأراقب علاقاتي مع الآخرين، ما بدأ منها وما انتهى، واكتشف أن معظمها في السنوات الأخيرة من عمري كان بسبب وسائل التواصل الاجتماعي. تعارف عبر منصة من منصات التواصل يبدأ بمتابعة أو تعليق عابر ثم تواصل وربما لقاء.. ويستمر. كثير من علاقاتي مرت بهذه المراحل وعشتها كحقيقة جميلة، وحتى النماذج والأمثلة السيئة فيها لم تستمد سوءها أو أثرها السلبي عليَّ من كونها تكونت في منصات التواصل بقدر ما كانت سيئة لأنها نابعة من جوهر بشري سيئ صدف أنه مر عبر تويتر أو سناب أو إنستغرام.. ولذلك لا ينبغي تحميل تلك الوسائل حمولة ثقيلة من العتب واللوم بسبب سوء الاختيار والحظوظ العاثرة في العلاقات. يحدث هذا القدر من الخذلان والخيبات والألم والوجع في علاقاتنا التي تكونت في واقعنا الاجتماعي اليومي بعيداً عن خيارات الإنترنت ويحدث فيها أيضا وبنفس القدر. فلماذا نُحمل وسائل التواصل ما لا نُحمله لوسائل التعارف القديمة أو التقليدية من أسباب لفشل العلاقات؟ في واحدة من مناسباتي الاجتماعية المفرحة خلال الأيام القليلة الماضية سعدت بتهاني ومباركات الكثيرين حولي، لأرصد أن معظم من فرح من أجلي عرفته بتويتر أو سناب أو إنستغرام.. لكنهم أشخاص حقيقيون وعلاقاتي بهم حقيقية جدا، فكيف يمكن أن نصف هذه المشاعر والصلات والتشارك فيها بالافتراضي؟ هذا جانب مهم ومشرق من واقع التواصل الاجتماعي الجديد عبر الحلول الرقمية، ففي زمن الثورة الرقمية وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي، شهدت العلاقات الاجتماعية تحولات كبيرة. فمن جهة، أصبح التواصل مع الأصدقاء والعائلة أكثر سهولة وسرعة من أي وقت مضى. يمكننا الآن التواصل مع أحبائنا في كل زمان ومكان، مشاركتهم أفراحنا وأحزاننا، والتعبير عن مشاعرنا بكل حرية. لكن من جهة أخرى، برزت تحديات جديدة تواجه العلاقات الاجتماعية في عصرنا الرقمي. فما يسمى بالتواصل الافتراضي (على واقعيته)، أضعف أحياناً الترابط والتفاعل الشخصي المباشر بين الناس لسهولته وبساطة متطلباته، وكثيرون يجدون أنفسهم منعزلين اجتماعيًا، محاصرين خلف شاشاتهم، وأكثر انطوائية في حياتهم التي تسمى بالواقعية. ولكن لا ينبغي أن ننسى أيضًا مخاطر الانفصال الكلي أو شبه الكلي عن الواقع التقليدي والاندماج المفرط في العالم الرقمي. فالبعض قد يصبح مدمنًا على وسائل التواصل الاجتماعي، مما يؤثر سلبًا على تركيزهم ومهامهم اليومية. كما أن استخدام هذه التقنيات قد ينتج عنه انتشار الأخبار الزائفة والمعلومات المضللة بكثرة شديدة لانعدام الضوابط في استخدامها إلا في ما ندر، مما يؤثر على ثقافة المجتمع وقيمه العامة. ومن أبرز التحديات التي نواجهها في عصرنا الرقمي هو المحافظة على توازنات صحية بين العالم الافتراضي والواقعي. فالعلاقات الاجتماعية التقليدية (حتى لا أصفها بالحقيقية وكأن غيرها ليست كذلك) لا تزال ذات أهمية حيوية لنمو الإنسان وازدهاره النفسي والاجتماعي. والتوفيق بين الاثنين هو الطريق الأمثل لاستثمار إمكانات التكنولوجيا الرقمية في تعزيز ترابطنا الاجتماعي وتنمية مجتمعاتنا وصحتنا النفسية كبشر لا يمكن أن نستمر في الحياة بلا علاقات مع الآخرين إلا بصعوبة، ذلك أن جوهر العلاقات البشرية واحد وإن توسل بوسائل تناسب الظرف الزمني المعاصر له. المهم أن نبقى دائما بشراً قادرين على تحمل تبعات اختياراتنا في علاقاتنا مع الناس بغض النظر عن وسائلنا في التعرف عليهم.. والمهم دائما الجوهر !