16 سبتمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); ربما لا نبالغ عندما نقول إن المؤرخ البريطاني اليهودي برنارد لويس هو أشهر مؤرخ كتب عن الشرق الأوسط والإسلام إذ تركت كتاباته أثرًا كبيرا على رؤية الكثير من الغربيين وبخاصة الأمريكان للإسلام والإسلاميين، ففي عام 1976 أطلق تحذيره في مجلة الكومنتري في مقال حمل عنوان "عودة الإسلام" وفيه جادل بأن الإسلام الراديكالي سيرسم خطوط الصراع بين الحضارتين الإسلامية والمسيحية، وكانت مقالته تحتوي على تحذير للغرب إذ يصر برنارد لويس في تلك المقالة على أن الحضارتين الإسلامية والمسيحية عالقتان في صراع مستمر وسيدوم. وعلى الأرجح أن قرّاء المجلة في ذلك العام تفاجأوا من الزج بالإسلام والإسلاميين وإفراد مقال كامل عنهما وبخاصة أن السياق التاريخي كان مختلفا عما يجري الآن، فواقع الأمر كان لا يشي بأن الإسلاميين قادمون، فشاه إيران كان يحكم قبضته على مقاليد الأمور في إيران وكان السادات في أقوى حالاته في مصر ولم يبدأ بعد رحلة القدس التي ألبت عليه القلوب والعقول، فكيف إذن يكتب برنارد لويس عن أمر ما كان مطروحا في ذلك العصر؟ مارتن كريمر –المؤرخ الإسرائيلي والذي يعد من أشد المعجبين ببرنارد لويس– كتب قبل أيام ما يفيد بأن برنارد لويس امتلك العبقرية وبعد النظر وقدرة هائلة على الاستشعار وإنه بمقالته هذه قد انتقل إلى صف العباقرة! طبعا علينا أن نذكر بأن مارتن كريمر يصر على أن مقاربة برنارد لويس هي السليمة وأن الدراسات الشرق أوسطية قد أخفقت في فهم صعود الإسلاميين، وقبل أكثر من عقد من الزمان (وتحديدا عام 2002) نشر مارتن كريمر كتابا "برج عاجي على رمال" وفيه انتقد ما أسماه فشل الدراسات الشرق أوسطية في التنبؤ بخطورة الإسلام الراديكالي، فبالنسبة لمارتن كريمر فإن مقولات برنارد لويس ثبتت صدقيتها بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. وهو بهذا المعنى شأنه شأن غيره من الباحثين الذين كانوا يدقون طبول الحرب على الإسلام والإسلاميين يريد أن يحافظ على الصورة الاستشراقية للمجتمعات الشرقية حتى يتسنى لنا تبرير الممارسات الاستعمارية والاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.بطبيعة الحال، لم تبق هذه المقولات التبسيطية من دون نقد، وبالفعل تعرضت مقولات برنارد لويس لنقد شديد ووصفت بأنها استشراقية، وقد أفرد إدوارد سعيد كتابا عن الاستشراق وفيه شن هجوما لاذعا على برنارد لويس وعلى الاستشراق بصفة عامة، فهذا الفرع المعرفي والذي كان نقطة بداية التأمل الانثروبولوجي للشرق هو فرع إمبريالي جاء ليسدي خدمة للاستعمار. بمعنى آخر فإن العلم هو استعماري! والحقيقة أن كتاب الاستشراق الذي نشر في عام 1978 شكل نقطة تحول في النقاش العام الدائر في الغرب عن الإسلام والشرق بصفة عامة، فهناك الكثير من الباحثين ممن تأثر بمقولات سعيد وآمن بما كان يقول. غير أن الأمر أخذ منحىً آخر بعد التفجيرات الإرهابية في الحادي عشر من سبتمبر إذ ظهر من بين الباحثين الغربيين أمثال دانيال بايبس من يربط بشكل مباشر بين الإسلام والإرهاب، وهو ربط لاقى رواجا وربما قبولا لدى قطاعات كبيرة من الشعوب الغربية.وعود على بدء، نقول إن مشكلة كتابات برنارد لويس تمثلت في أنها قدمت المجتمعات العربية والمسلمة بشكل ستاتيكي وكأنها غير قابلة للتحول والتغير، فالدين بالنسبة لهذه الشعوب هو مرجعية الهوية وليس الدولة. خطورة ما جاء به برنارد لويس تتمثل في إصراره على أن هذه المجتمعات لا تمتلك ديناميكية التغيير، وهو بهذا يبشر بمستقبل قاتم للعلاقات الغربية مع دول المشرق والشرق. وبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر حاول برنارد لويس أن يحشر الإسلام ويختزله في صورة تلبي طموحات القوى التي تسعى إلى الهيمنة وهنا الحديث عن الولايات المتحدة، ولا نذيع سرا عندما نقول بأن برنارد لويس كان يلتقي بشكل دوري بنائب رئيس الولايات المتحدة آنذاك ديك تشيني الأمر الذي لا بد وأنه ترك أثرا كبيرا على رؤية تشيني للعراق وفكرة التمكين الشيعي.ربما لا تحتوي مقالتي هذه على معلومات جديدة لكني وددت أن أضعها بين يدي القارئ بمناسبة مرور مائة عام على ميلاد هذا المؤرخ الذي سطع اسمه ووصلت شهرته أقصى أركان المعمورة. فالرجل توقف منذ فترة عن الكتابة وحتى الظهور الإعلامي لكنه ما زال يحظى على احترام واسع بين النخبة المثقفة في الولايات المتحدة. مئوية لويس تصادف مئوية سايكس بيكو، ومع أن الأمر لا يتعدى محض صُدفة إلا أن هناك دلالة على ارتباط المستشرقين بالمشروع الاستعماري.