12 سبتمبر 2025

تسجيل

من تجليات أزمة سد النهضة

03 يونيو 2013

لم تكن أزمة سد النهضة الإثيوبي مفاجأة لمصر، لكنها بالتأكيد فاجأت السلطة الجديدة فيها وهو ما جعلها عاجزة عن بلورة التصورات التي يمكنها أن تتعامل بكفاءة عالية مع هذه الأزمة التي تتعلق بواحد من أهم محاور الأمن القومي والمتمثل في الأمن المائي، ودون الاستطراد في توصيف الأزمة وأبعادها وتداعياتها الراهنة والمستقبلية تمكن الإشارة إلى جملة من التجليات الخاصة بها. أولا: هناك اعتراف بأن مصر في زمن الرئيس السابق حسني مبارك قلصت مساحة الاهتمام بإفريقيا وبدول حوض النيل بشكل خاص وعلى وجه الخصوص إثيوبيا انطلاقا من حادثة محاولة اغتيال مبارك التي وقعت في العام 1995 مما خلق لدى الرئيس السابق ما يمكن وصفه بالعقدة النفسية تجاه إثيوبيا وتجاه إفريقيا، متجليا ذلك في محدودية مشاركته في القمم الإفريقية التي تعقد بشكل دوري ولكن إنصافا للتاريخ فإن انحسار الاهتمام المصري بإفريقيا بدأ مع تولي الرئيس الأسبق أنور السادات السلطة خلفا للزعيم الراحل جمال عبد الناصر والذي كان يضع إفريقيا في عينيه ولا شك أن ما جرى خلال الأربعين عاما المنصرمة جعل إفريقيا تنأى بنفسها عن مصر في ظل الغياب الرسمي عن الحضور القوي في القارة السمراء وهو ما شكل مبررا قويا لدى دول حوض النيل وفي مقدمتها إثيوبيا لصياغة مسارات تتعلق بالنهر ذاته بعيدا عن المصالح المصرية وكانت البداية الحديث عن مشروع سد النهضة الذي ظل يراوح مكانه سنوات ثم تبلور راسخا كأحد أهم مشروعات النظام السياسي في أديس أبابا وخلق معه رأيا عاما لدى دول المنبع والمجري للنيل ضد دولتي المصب مصر والسودان وبرز ذلك بشكل واضح في تجاوز الاتفاقيات التاريخية التي تحدد حصة كل دولة من دول حوض النيل من مياه النهر والمجيء باتفاقية إطارية جديدة لم تحظ بتوافق كامل عليها من مصر والسودان مما عطل تمريرها بشكل جماعي وإن كانت هناك خمس من دول حوض النيل قد صادقت عليها تمهيدا لتطبيقها في وقت لاحق. ثانيا: إن التعامل المصري مع مشروع سد النهضة الإثيوبي خاصة في ظل النخبة الإخوانية الجديدة لم يتسم بالكفاءة المطلوبة نتيجة لقصور أفق هذه النخبة على مستوى السياسة الخارجية على الرغم من زيارات هنا وهناك وشعارات تطلق بين الحين والآخر إلا أن الواقع يتجاوزها دوما وهو ما وضع هذه النخبة خاصة مؤسسة الرئاسة في مأزق حقيقي وبالذات بعد الإعلان الإثيوبي الأسبوع المنصرم عن بدء تحويل مجرى النيل الأزرق تمهيدا للتنفيذ العملي لمشروع السد واللافت أن الأداء الرسمي تجاه هذا الإعلان أخذ يقلل في أول تصريح لمؤسسة الرئاسة من مخاطر تحويل مجرى النيل الأزرق وتأثيره على حصة مصر من مياه نهر النيل التي تبلغ سنويا 55 مليار متر مكعب ثم تقدم خطوة للأمام معلنا ترقبه لنتائج تقرير اللجنة الثلاثية المكونة من خبراء من مصر والسودان وإثيوبيا إضافة إلى خبراء دوليين، ثم عقدت مؤسسة الرئاسة مؤتمرا صحفيا بمشاركة وزير الموارد المائية ومساعد وزير الخارجية للشؤون الإفريقية والمتحدث الرسمي باسمها ولم يخرج مضمون المؤتمر عن ترديد الرؤى السابقة والتأكيد على مصالح مصر المائية ورفض المساس بها دون أن تكون هناك خارطة طريق واضحة لتحقيق ذلك وهو ما شكل مبعثا لغضب مختلف القوى السياسية والأكاديميين والمتخصصين في العلوم السياسية والموارد المائية في ظل تسرب معلومات عن تقرير اللجنة الثلاثية تفيد بأن مصر سوف تخسر ما يقرب من ثلاثين في المائة من حصتها في مياه النهر، فضلا عن تقديرات لخسائر قد تطال المساحات المزروعة في مصر إنتاج الكهرباء في ظل وجود أزمات تكابدها مصر بالفعل مما أعلى من سقف المخاوف لدى الشارع المصري. ثالثا: لاشك أن خيارات مصر في التعامل مع هذه الأزمة ليست محدودة ولكنها رهن باتساع أفق القيادة السياسية وقدرتها على توظيف ما تمتلكه من أدوات ضغط وقوة ومسارات حركة نشطة ولعل أبرز هذه الخيارات يتمثل في المسارعة فورا بإجراء محادثات مباشرة مع الطرف الإثيوبي بعيدا عن الأجواء العاطفية التي سادت اللقاءات السابقة على المستوى السياسي بين البلدين تضع في الاعتبار مصالح مصر المائية باعتبارها تتصدر أولويات الأمن القومي المصري وذلك لا يعني اللجوء إلى أساليب التهديد العسكري وإن كانت مصادر أمريكية وأوروبية بدأت تلمح إلى هذا الخيار وهو في الأخير لن يكون مجديا سواء على المدى المنظور أو الأمد البعيد، ويمكن في هذا السياق توجيه رسائل قوية إلى السلطة الحاكمة في إثيوبيا والتي جاءت إلى الحكم في مطلع تسعينيات القرن الفائت بدعم مصري بحيث تترسخ لديها قناعات بأن أي أضرار بمصالح مصر المائية سيكون ثمنها باهظا وبالتالي عليها أن تثبت أن تنفيذ مشروع سد النهضة لن يكون خصما من رصيد حصة مصر من النيل وإنما ينبغي أن يكون إضافة لها إن لم يحافظ على معدلها الحالي وفي يقيني أن ذلك يستلزم اتخاذ خطوات على المستوى الدبلوماسي والسياسي والقانوني من قبل القاهرة تجاه أديس أبابا في ظل توافر توافق وطني تشارك فيه جميع القوى السياسية المصرية بحيث تدرك إثيوبيا أنها لن تكون بمنأى عن التأثيرات السلبية إذا ما أثرت على تنفيذ المشروع دون تقديم الضمانات الهندسية بأن السد لن يشكل خطرا على مصر. رابعا: ينبغي على مؤسسة الرئاسة التي تقود عمليات التحرك السياسي الخارجي أن تسارع بطلب عقد قمة لقادة دول حوض النيل لبحث تداعيات الأزمة بشكل واضح أمام الجميع حتى يدركوا أن مصر تواجه أخطارا حقيقية سواء من جراء تنفيذ مشروع السد أو غيره من المشروعات بعيدا عن الاتفاق معها لضمان عدم تضررها أو فيما يتعلق بإعادة صياغة الاتفاقية الإطارية الجديدة للنيل على نحو يحقق مصالح الجميع، دول المنبع ودول المجرى ودول المصب، وفق محددات القانون الدولي والمصالح الوطنية. خامسا: إن الخيار العسكري يجب أن يكون في دائرة الاستبعاد تماما على اعتبار أنه لن يكون بوسعه أن يجبر هذا الطرف على القبول بشروط الطرف الآخر غير أنه في الوقت نفسه لا يمكن تجنب وسائل ضغط ضمن هذا الخيار قد تدفع إثيوبيا إلى تغيير موقفها العدائي -إن ثبت - تجاه مصر. السطر الأخير: صبي النيل في فنجاني.. هو وطن ورحيل لمدارات العشق مرافئ للنوارس حدائق للكون ملاذ للمعذبين