28 أكتوبر 2025

تسجيل

بالقانون.. كُلُ تديُّنٍ تطرفٌ

03 مايو 2017

ما كتبته عن محنة مسلمي الصين استدعى أصداء لم أستطع تجاهلها. ولم يكن أمامي سوى أن أتخير منها بعض ما يتسع الحيز المتاح لنشره. فقد تلقيت رسالة ممن طلب مني الاحتفاظ باسمه خلاصتها أن الطلاب المسلمين الصينيين الذين يدرسون في مصر طلب منهم قطع دراستهم والعودة إلى بلادهم مرة أخرى، وإلا تعرضوا هم وأهلوهم للاعتقال. وبسبب ذلك فإن أغلبهم عادوا بالفعل، وقلة منهم قرروا اللجوء إلى دول أخرى في أوروبا. وترتب على ذلك أن عددهم الذي كان نحو أربعة آلاف طالب وطالبة أصبح الآن ألفا فقط، وهو مستمر في التناقص.تلقيت أيضا رسالة من السيد محمد أمين حضرت ترجم فيها مقالة نشرها موقع «ساسة بوست» وتضمنت تفصيلات قانون مكافحة الإرهاب والتطرف الديني، الذي بدأ سريانه في أول شهر أبريل المنقضي بمقاطعة سينكيانج (تركستان الشرقية). وفي حين اهتم به الإعلام في الغرب إلا أن العالم الإسلامي والعربي لم يكترث به. أهم ما في ذلك القانون الذي تضمن ٥٠ مادة أنه اعتبر كل تعبيرات التدين أو مظاهره تطرفا يستحق العقاب والسجن. ذلك أن المادة التاسعة منه مثلا رصدت ١٥ مظهرا للتديُن يشملها الحظر وتعرض صاحبها للسجن. في مقدمة هذه المظاهر ما يلى: الدعوة للأنشطة الدينية أو المداومة عليها أو المساعدة المادية لرجال الدين ــ إدخال الدين في أمور الزواج والطلاق والجنازات والأحوال الشخصية ــ ارتداء الحجاب أو النقاب أو استخدام حلي الزينة ذات الصلة بالمعانى الدينية ــ تنفير الناس من الأنشطة الثقافية أو الترفيهية والامتناع عن مشاهدة البرامج التليفزيونية الترفيهية ــ إطلاق الشارب واللحية للرجال والترويج للتطرف من خلال تسمية المواليد باسماء إسلامية ــ توسيع مفهوم الحلال والحرام في غير مجالات الأطعمة ــ عدم إرسال الأطفال إلى مدارس الدولة بافتعال أسباب كاذبة للاكتفاء بتدريسهم الدين ــ الامتناع عن استخدام البطاقات الشخصية وعدم تداول «اليوان» الصيني (العملة الرسمية) ــ إنشاء أو توسيع أو بيع أو نسخ أو قراءة أو الاستماع أو مشاهدة أقراص كمبيوتر أو فيديوهات تحوى مواد دينية ــ التدخل فى سياسة تحديد النسل... إلخ.في رسالته انتقد محمد حضرت ما ذكره الباحث الصيني شوى تشينغ بقوة في رده على ما كتبت قبلا من أن القانون الجديد هو ضد التطرف وليس ضد الإسلام، وقدم الدليل على أن إجراءاته كلها تحاول محو الإسلام واقتلاعه من «تركستان الشرقية» وليس فيها شىء ضد التطرف الذي يرفضه الجميع ــ وإنما دلت مواده على أن التدين بحد ذاته صار تطرفا يعرض صاحبه للعقاب.من ناحية أخرى، تلقيت بيانا بما بثه راديو «آسيا الحرة» وما نشرته صحيفة «قناة أخبار آسيا» بخصوص حظر استخدام ٢٩ اسما على المسلمين فى مقاطعة سينكيانج، ومن تلك الاسماء: إسلام وقرآن ومكة والمدينة وصدام وحج وصيام. وغير ذلك من الأسماء التي لها صلة بالجهاد الديني. وفي البيان الحكومي أن مخالفة القرار يترتب عليها معاقبة الوالدين بعدم تسجيل أطفالهم في نظام الأسرة الحكومي المعروف باسم «هوكو». وهو الذي يوفر الخدمات الاجتماعية للأطفال، وفي المقدمة منها الرعاية الصحية والتعليم.في الموضوع ذاته تلقيت تعقيبا من السفير سيد المصري مستشار الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي لشئون الأقليات المسلمة، ذكر فيه أنه زار سينكيانج ومناطق أخرى في الصين على رأس بعثة لتقصي الحقائق عام ٢٠٠٩، عقب أجواء العنف التي وقعت آنذاك في أورموشي عاصمة الإقليم. أكثر ما لفت انتباهه أن سينكيانج يسودها التوتر الشديد والقيود المفروضة على المسلمين. حيث لاحظ مثلا أن ثمة لافتة علقت على واجهة المسجد الكبير في أورموشي حظرت دخول من هم أقل من ١٨ عاما، إلا أنه وجد الوضع مختلفا في منطقة منيتشا التي تقع خارج المقاطعة المذكورة، حيث يمارس المسلمون فيها حرية أكبر أتاحت لهم ممارسة عدة أنشطة محظورة في سينكيانج. وخلص السفير المصريمن ذلك، إلى أن معاناة المسلمين هناك وثيقة الصلة بالهوية العرقية بأكثر منها بالهوية الدينية. ذلك أن مسلمي سينكيانج (الويغور) ينتمون إلى العرقية التركمانية، في حين أن مسلمي منيتشا ينتمون إلى عرقية أخرى (المسلمون هناك يتوزعون على عشر قوميات عرقية مختلفة). وذكر أن ذلك التمييز العرقي له نظيره بين مسلمى تايلاند والفلبين. ورغم أن ذلك بُعد في القضية يستحق النظر، فإنه لا ينفي تعرض مسلمي سينكيانج للقمع وإنما يؤكده، وإن أعطى المشكلة حجما آخر.