17 سبتمبر 2025

تسجيل

الناس وتَقَلُّبات الزمان

03 مايو 2014

* لما أصابت النكبة علي بن عيسى الوزير وزالت عنه الوزارة، تفرق عنه أصحابه الذين كانوا يجالسونه أيام كان وزيراً ولم ير منهم أحداً ببابه، ولما عادت إليه الوزارة من جديد عادوا إلى الوقوف ببابه ثانية والحضور إلى مجلسه فأنشد قائلاً في ذلك الموقف: ما الناسُ إلاَّ مَعَ الدنيا وصاحِبِهافكلَّما انْقَلَبَت يوماً بِهِ انقلبوايُعظِّمونَ أَخا الدنيا فإن وَثَبَتْيوماً عليهِ بما لا يَشْتَهي وَثَبوا * وفي حكاية أخرى مماثلة، أن السلطان غضب ذات يوم على الوزير ابن مُقْلَة، وأمر بقطع يده لما بلغه أنه زوَّر كتاباً إلى أعدائه، وعزله من الوزارة، فلما حل بابن مقلة ما حل تفرق الناس عنه وبالذات أصحابه الذين كانوا يغشون مجلسه أيام الوزارة وأخذوا يتحاشونه.. ثم ظهرت مع الأيام براءة ابن مقلة من التهمة التي نُسبت إليه فترضاه السلطان ثم أعاده إلى الوزارة وإلى وظائفه السابقة، فأنشد ابن مُقْلَة قائلاً:تَحالَفَ الناسُ والزمانُفحيثُ كانَ الزمانُ كانواعادانيَ الدهرُ نِصفَ يومٍفانْكَشَفَ الناسُ لي وبانُوايا أَيها المُعرِضونَ عَنَّاعُودوا فقد عادَ لي الزمانُ * وفي هذا المعنى يقول عبدالله بن كثير:الناسُ أَتباعُ من دامَت لَهُ النِّعَمُوالويلُ للمرءِ إنْ زَلَّت بِهِ القَدَمُالمالُ زَينٌ ومن قَلَّتْ دراهِمُهُحَيٌّ كمن ماتَ إلاَّ أَنَّهُ صَنَمُلما رأَيتُ أَخِلاَّئي وخالِصَتيوالكُلُّ مُستَتِرٌ عنِّي وَمُحتَشِمُأَبدَوا جَفَاءً وإعراضاً فقلتُ لهمأَذْنَبتُ ذَنباً؟ فقالوا ذَنْبُكَ العَدَمُ ويقول إبراهيم الصولي للوزير ابن الزيات لائماً:وكنتَ أَخي بإخاءِ الزمانِفَلَّما نَبَا صِرتَ حَرباً عَوَاناوكنتُ إليكَ أَلوم الزمانَفأصبحتُ فيكَ أَلوم الزماناوكنتُ أَعُدُّكَ للنائباتِفأصبحتُ أَطلبُ منكَ الأَماناوكان ابن الزيات هذا قد اتخذ أيام الخليفة العباسي المعتصم والخليفة الواثق تنوراً فيه مسامير ليعذب به الناس من المساجين، وبعد أن تسلم الخلافة الخليفة المتوكل ماهي إلا عدة أشهر حتى سخط الخليفة على الوزير الزَّيَّات وقام بمصادرة أمواله وأدخله السجن وأمر بوضعه في التنور الذي كان يُعَذِّب فيه المساجين، وقبل دخول ابن الزيات في التنور طلب دواة ورقعة وكتب فيها:هِيَ السَّبيلُ فمن يَومٍ إلى يَومِكَأّنَّهُ ما تُريكَ العَينُ في النَّومِلا تَجزَعَنَّ رُوَيداً إنَّها دُوَلٌدُنيا تَنَقَّلُ من قَومٍ إلى قَومِ * ولتشاغل المتوكل لم يقرأ الرقعة إلا في اليوم التالي فلما وقف على ما فيها أمر بإخراج ابن الزيات من التنور ولكنهم لما هَمُّوا بإخراجه وجدوه قد فارق الحياة.وسلامتكم...