19 سبتمبر 2025

تسجيل

كونفيدرالية خليجية بأبعاد اقتصادية

03 أبريل 2011

الدعوة إلى ضرورة تكريس المواطنة الخليجية لعل أبرز التوصيات التي صدرت عن المؤتمر السادس عشر لمركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية والذي عقد في أبو ظبي الأسبوع الماضي تكمن في الدعوة إلى تحويل مجلس التعاون الخليجي إلى اتحاد كونفيدرالي على غرار الاتحاد الأوروبي، وذلك لمواجهة التحديات الاقتصادية والسياسية والثقافية والأمنية التي تفرض القيام بمثل هذا التحول، مع التأكيد على أن الوقت لا يسير لمصلحة المسيرة البطيئة في التعاون والتكامل الخليجي. ولم تترك هذه التوصية عائمة، كما هي الحال في توصيات المؤتمرات العربية، وإنما تم تحديد خريطة طريق لتحقيق هذا الهدف الذي أصبح ضرورة موضوعية تتناسب والتطورات الاقتصادية والسياسية والأمنية في المنطقة العربية بشكل خاص وفي العالم بشكل عام. وضمن خطة الطريق هذه تمت الدعوة إلى ضرورة تكريس المواطنة الخليجية والارتقاء بمنظومة التوجهات الإستراتيجية، وبالأخص الاقتصادية والتي تساهم بصورة فعالة في تعميق المصالح المشتركة والإحساس بالمواطنة، حيث ما زال هناك الكثير من المتطلبات المؤجلة والتي أصبحت تشكل عقبات أمام استكمال السوق الخليجية المشتركة. وفي هذا الإطار حددت الرؤية الإستراتيجية الخليجية على أساس تعزيز المرونة المحلية ومراجعة مفهوم السيادة الوطنية التي لو بقي التمسك بها لما نجح أي عمل جماعي، فالأحداث الأخيرة، كالأزمة المالية والتوترات السياسية والمحاولات الخاصة بامتلاك الأسلحة النووية تحتم الإسراع وفق توصيات المؤتمر استكمال الوحدة الاقتصادية وإنشاء جيش خليجي موحد ومحكمة عدل خليجية لحل المنازعات. وتكتسب هذه التوصيات أهميتها ليس من خلال الأحداث السريعة العاصفة بالمنطقة العربية، وإنما بالأزمات الاقتصادية والغذائية المتكررة التي تجتاح العالم والتي لا يمكن لدول المجلس أن تواجهها بصورة منفردة، كما أن غياب القوانين والأنظمة الكونفيدرالية يعرض المكتسبات الاقتصادية والاجتماعية التي تحققت لخطر التراجع. ولأول مرة تكتسب هذه التوصيات مثل هذه الأهمية، على اعتبار أنها صادرة ليس عن مؤسسات خليجية، كما هي الحال دائما، وإنما من قبل مراقبين ومحللين دوليين أجانب يملكون نظرة خارجية محايدة وذات أبعاد إستراتيجية. النظام الكونفيدرالي يعتبر نظاما مرنا ويحفظ للبلدان المنضوية تحته استقلاليتها في الشؤون الاقتصادية والمالية والسياسية والعسكرية، إلا أنه يفرض عليها التزامات عامة للحفاظ على المكاسب الجماعية وتطويرها، بما يضمن التنمية والأمن لكافة البلدان الأعضاء، مع الالتزام بالتنسيق في الشؤون الخارجية والأمنية التي يمكن من خلالها مواجهة التحديات بصورة جماعية في نطاق الاتحاد الكونفيدرالي، وذلك على عكس النظام الفيدرالي الذي يركز السلطات أساسا في الأجهزة الاتحادية. ولنأخذ على سبيل المثال المواجهة الأوروبية الجماعية لتداعيات الأزمة المالية العالمية والتي خففت كثيرا من حدة هذه التداعيات، إذ إنه من دون هذه "الفزعة" الأوروبية لانهارت العديد من الاقتصادات الأوروبية ولا نعكس ذلك سلبا على كافة بلدان الاتحاد الأوروبي، بل وبلدان العالم أجمع، أما بلدان مجلس التعاون، فقد واجهت تداعيات الأزمة المالية بصور منفردة، مما ترك وما زال آثارا ضارة على الاقتصادات الخليجية مجتمعة، حيث يمكن ملاحظة ذلك بصورة جلية في الصعوبات التي ما زالت تمر بها البورصات الخليجية، في الوقت الذي تجاوزت فيه بورصات الاتحاد الأوروبي تداعيات الأزمة واستعادت حيويتها منذ فترة طويلة. وفي جانب مهم آخر انتهزت بعض القوى الخارجية غياب النظام الكونفيدرالي عن المنظومة الخليجية لتعتبر المساعدة الأمنية والعسكرية الخليجية للبحرين بمثابة تدخل خارجي، وذلك رغم الاتفاقيات الخليجية العسكرية والأمنية التي تتيح مثل هذه المساعدة من خلال قوة درع الجزيرة التي تأسست من البلدان الست الأعضاء في المجلس. من الواضح وفق التحليلات الإستراتيجية أن العالم مقبل على أنظمة اقتصادية وسياسية وأمنية جديدة، بحيث لا تستثنى أية منطقة أو دولة في العالم من تداعيات هذه التغيرات، كما أشار إلى ذلك وزير الخارجية الأمريكية السابق "كولن باول" في المؤتمر، كما أن هناك ترتيبات جديدة لمنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، مما يتطلب الاستعداد لمثل هذه التغيرات المرتقبة وتجنب عامل المفاجأة من خلال إعادة النظر في مفهوم السيادة الوطنية والتحول إلى النظام الكونفيدرالي الخليجي والإسراع في استكمال مقومات التكامل وتطوير المؤسسات الخليجية المشتركة، بما فيها الهيئة الاستشارية الخليجية والتي يمكنها أن تلعب دورا مميزا في التكامل الخليجي متى ما تم تحويلها إلى هيئة بصلاحيات تشريعية إلى جانب الهيئات التنفيذية الخليجية، مما سيحول دول المجلس إلى كتلة اقتصادية وسياسية وعسكرية قادرة على حماية مكتسبات كافة البلدان المنضوية تحت هذا التكتل الخليجي الذي أصبح لا غنى عنه في ظل التحولات العالمية المتسارعة.