28 أكتوبر 2025

تسجيل

منظومة الفساد العراقي وتدمير الدولة العراقية

03 فبراير 2016

ما أعلنه صراحة النائب العراقي المثير للجدل مشعان ركاض الجبوري حول شمولية آفة الفساد في السلطة العراقية يمثل اعترافا رهيبا لجريمة كبرى تجري فصولها علنا وبفضائحية غير مسبوقة تحت ستار الديمقراطية المزيفة، التي اجتذبت كل قطط العراق السمان لتجهز على بقايا وطن هو اليوم يعيش تحت مظلة الإفلاس الشامل، والتدمير الممنهج، والإمعان في تمزيق نسيج الوحدة الوطنية في ظل كرنفالات ومهرجانات القتل الطائفي، والتهجير، والهجرة، والفشل في كل مناحي الحياة العراقية. لقد تراكمت أسس وعوامل الفساد في المجتمع العراقي منذ انهيار الدولة المركزية عام 2003 بعد الاحتلال التدميري الأمريكي، وسيادة المنطلقات والأسس الطائفية والعشائرية الرثة التي تحولت لقانون يحكم ويسير المجتمع في ظل تكالب على السلطة دون أي اعتبار للكفاءة أو المقدرة أو القدرة على التسيير والإدارة، فأضحى الدجل والإدعاء والمبالغة والتزوير من أهم أسس الحياة السياسية والمجتمعية في العراق، المثير للحزن حقا في الواقع العراقي هو حالة الإحباط الشامل التي أصابت المجتمع العراقي وجعلته للأسف أسيرا لطبقة سياسية فاسدة توارثت الفشل وأدمنته حتى تحول لقانون حياة ولمنهج سائد، كما أن حالة الإفلاس القيادية وخلو الساحة السياسية العراقية من قوى وطنية مبدعة وخلاقة قد جعل من الملعب السياسي العراقي ميدانا واسعا لكل الحواة والدجالين ورافعي الشعارات والبؤساء من الفاشلين الذين ركبوا الموجة، وعرفوا من أين تؤكل الكتف، وسايروا التيارات السائدة وهي في معظمها تيارات فكرية وطائفية رثة وسطحية وجاهلة لا تدغدغ سوى العواطف والمشاعر البدائية بعيدا عن أي عمق حقيقي، وضحالة الوسط السياسي العراقي أفرز طبقة فاسدة تمرغت في نعيم السلطة وهيلمانها واستطاعت التقاط لحظات الهزيمة التاريخية لتنتعش في بيئتها السلبية ولتكون وتؤسس قلاع حصينة ومنيعة من الفساد الذي أضحى يمتلك ركائز وأسسا وقواعد بل قلاع حصينة وعصابات خطيرة يمكنها مواجهة أي تيار تغييري أو دعوة إصلاحية وإجهاضها!الفاسدون في العراق هم الطبقة السائدة في العراق اليوم، وما عداهم استثناء، فالقانون طوع بنانهم، ويخضع لأهوائهم بل خائف منهم مرتعد الأوصال، فالمؤسسة العسكرية وهي عماد الاستقرار في أي بلد أضحت مؤسسة هزيلة رثة بعد فقدان الضبط والربط وتطاول المرتزقة على الكفاءات العسكرية لدرجة أن الرتب العسكرية أضحت مهزلة حقيقية في جيوش الطوائف والعشائر العراقية المتصارعة، أما حالة الإفلاس التي يعيشها العراق والتي تسبب بها فساد حكومة نوري المالكي الكارثية بسنواته التسع العجاف التي حكم العراق خلالها وبدد أكثر من 320 مليار دولار في مشاريع وهمية كانت كافية لتحويل العراق لنسخة ثانية من كوريا الجنوبية! فإنها تلخص كل أساطير الفساد العراقي الرهيب، والعجيب المفجع أنه رغم وضع القضاء العراقي اليد على أغلبية ملفات الفساد فإنه بقي عاجزا عن التصرف، وتحول الجهاز القضائي لجهاز إحصائي لملفات الفساد فقط، فالسلطة والقول والفعل وتقرير المصير لكواتم الصوت أو لفرق الاغتيال التي تتكفل بإغلاق أي ملف مزعج، حتى قادة النظام الفاشل أنفسهم لم يسلموا من تصفيات مافيا الفساد الرهيب، فها هو أحمد الجلبي أحد أبرز وجوه النظام العراقي الحالي قد تمت تصفيته بسموم الأفاعي لكونه هدد مجرد تهديد بأن تحت يديه ملفات فساد تفضح رؤوس كبيرة ونافذة في السلطة العراقية! فجاءته السكتة الدماغية قبل أن يرتد له طرفه أو يغمض له جفن! وهو الأمر الذي أشار إليه النائب مشعان الجبوري صراحة وبشجاعة يحسد عليها حينما اعترف بأنه تلقى رشاوى مليونية لإغلاق ملفات فساد ولكنه أخذ الرشوة ولم يفعل شيئا! كما أعرب عن مخاوفه العلنية من الاغتيال في الشارع العام وفي لحظات تجلي وانشراح نادرة، ترى كيف يعترف مسؤول وبرلماني بتلقي رشوة دون أن يجد عقوبة بانتظاره؟ ورغم أن الطبقة الحاكمة تدعي التزامها بالمنهج الإسلامي الذي ينص صراحة على "لعن الله الراشي والمرتشي في الحكم"!مهازل وتناقضات الساحة العراقية، وسيادة أباطرة الفساد والإفساد من أهل البطون التي جاعت ثم لم تعد تشبع من النهب، قد حول العراق الراهن لأكبر أسطورة فساد عالمية وبما أسس "إمبراطورية علي بابا والمليون حرامي"! أوضاع رثة كتلك التي يعيشها العراق لا يمكن إلا أن تنتج رداءة وتهاويا وصعودا مستمرا نحو الهاوية!...؟