14 سبتمبر 2025
تسجيليبدو أن لفظ "فرعون" لابد أن يلتصق التصاقاً أبدياً بكل مستكبر ومستبد في الأرض يسعى في الأرض ليفسد فيها ويُهلك الحرث والنسل، ويقتل الأبرياء ويتجبّر على الضعفاء وييتّم الأطفال ويرمّل النساء.. هذه صفات الفرعون في كل عصر من العصور، علاوة على أنه يزيد على ذلك كله.. معصيته للخالق عز وجل.. بل واستعلاؤه وتكبره على الله.. بعدم امتثاله للحق الذي أنزله الله وأظهره للناس أجمعين في شكل آيات ظاهرة أو رُسُل مرسلين، ففي حين يؤمن السحرة وكل من كان على ذنب من الذنوب.. يبقى "الفرعون" متكبراً ومتغطرساً وعاصياً لله تعالى وحده.. لا يتبعه في معصيته وتجبره على الخلق والخالق.. إلا جنوده.. الذين استحقوا نفس الجزاء الذي لحق به.. لا فرق بينهم وبينه. إن الثورة الشعبية التي قام بها الشعب المصري تجاه النظام الحاكم في مصر، جاءت لتعلن أن النظام الحاكم إنما هو نظام جائر ظالم مستبد متكبر متغطرس ديكتاتوري دموي.. وعدد ما شئت من الأوصاف والنعوت، كلها جاءت وخرجت بعد أن استفحل الأمر وبلغ السيل الزبى لدى الشعب المصري الذي عاش ولا يزال يعيش المهانة والجوع والفقر في ظل حكم الرئيس حسني مبارك الذي حرم شعبه الأمان فيما أذاق إسرائيل طعم النوم الهادئ الهانئ طوال فترة حكمه التي جاوزت الثلاثين سنة، والذي حرم شعبه الحرية والرفاهية في حين أنه سخّر كل الإمكانات متاحة ومذللة لخدمة حرية السائح الإسرائيلي على شواطئ شرم الشيخ المصرية وفي فنادقها أو في خدمة السفارة الإسرائيلية وضيوفها الكرام. وكيف لا يثور شعب مصر الحرّة الأبية في وجه من يريد أن يذيقه الذلّ والهوان أمام إسرائيل التي جرّعها – أي الشعب - الذلّ والرعب والهزيمة في حرب 1973 عندما رفع المصريون شعار " الله أكبر " قبل أي شعار آخر فنصرهم الله عندما عظّموه في نفوسهم، فقذف في قلوب أعدائهم الرعب وبثّ في نفوسهم العزّة والقوة.. حتى جاء نصر الله، هذا النصر الذي تحقق في يوم من الأيام.. يريد النظام الحاكم في مصر أن ينسفه وأن يهين كرامة المصريين ويذيقهم الذلّ والمهانة، عبر سلسلة من المعاهدات والتعهدات بالدفاع عن إسرائيل والذود عن حماها وحماية مصالحها ومواطنيها، حتى لو كان في ذلك تجويع للمصريين أو تجويع وتشريد وتشتيت للفلسطينيين كما حدث من تآمر واضح من ذلك النظام الحاكم في حرب غزة عندما تحالف هو والسلطة الفلسطينية ضد الأبرياء في غزة التي انتصرت رغم أنوفهم.. لأن النصر من عند الله.. يعزّ من يشاء ويذلّ من يشاء. ها نحن نشهد ثورة الشعب المصري الغاضب بعد سنين من الصمت والسكوت على حكم الطاغوت الذي أذاقهم لباس الجوع والخوف، ونرى انتفاضته في وجهه مقدماً في سبيل ذلك كتائب من الشهداء يسبقون إخوانهم إلى جنة الخلد إن شاء الله، ويفتحون بذلك صفحة بيضاء جديدة بعد أن لطخها النظام الحاكم بالسواد في تخاذله وتعاونه الذي لا مثيل له مع الكيان الصهيوني ومع الأوامر الأمريكية التي تتعامل معه بمبدأ " العصا والجزرة " وتهدده في كل حين بقطع المساعدات الأمريكية لمصر، والذي وجد له في المقابل.. حاكماً يرضخ.. ونظاماً يطيع ويركع.. ولا نعجب أبداً من خوف إسرائيل من تغيير نظام الحكم في مصر وقلقها من ثورة الشعب المصري على حاكمه ومطالبته بزوال الرئيس، لأنها " لم تر منه شراً قط " وتشهد له بالسمع والطاعة، في حين أننا نجد في المقابل الولايات الأمريكية تلوّح وتؤيد التغيير ولسان حالها يقول: نريد المزيد من التنازلات دون إحداث " أزمة ديمقراطية " لدى الشعوب، وهذا هو التناقض الأمريكي العجيب الذي يضطهد ويظلم وينصر الظالم في مكان ما.. في حين أنه يتشدق بالديمقراطية والحرية للشعوب وحقها في تقرير مصيرها وينادي بحرية التعبير ومحاربة الإرهاب وهو يمارس عكس ذلك كله في مكان آخر. الأمر الغريب في حكم الطغاة عموماً، أنك تجد أن لهم جنوداً يخدمونهم ويخضعون لهم طيلة حكمهم بل إنهم يمكّنون الطغاة من أن يُحكموا قبضتهم على الناس، ويساندونهم في ظلمهم بل وفي جرائمهم كقتلهم للضعفاء والأبرياء وأخذهم أموال الناس بالباطل، هؤلاء هم جنود فرعون الذين لم يقفوا مع الحق في وجه فرعون وآمنوا كما آمن سحرة فرعون عندما جاءتهم الآيات واضحة على يد موسى عليه السلام، فما كان من فرعون إلا أن طغى وكفر وتكبر.. وما كان من جنوده إلا أن اتبعوه وأذعنوا وخضعوا له. إن جنود فرعون في هذا الزمان هم كل الفئات المساندة للطاغوت حتى وإن لم يكونوا في المجال العسكري كالجيش والشرطة والذين يشكلون حماية " جسدية " له من الناحية الفيزيولوجية، فهم قد يشكلون حماية " فكرية وقانونية وشرعية " له من خلال دعمهم المتواصل له وتأييدهم الدائم له سواء كانوا في مجال فني أو ثقافي أو شرعي أو نحوها من مجالات التخصص، ولعل ما جعلني أتحدث عن جنود فرعون هنا هو أنني استمعت للجدل الذي أحدثه " الفنان " عادل إمام عندما استضافته قناة الجزيرة في اتصال هاتفي ونفى من خلاله أنه عارض تلك الثورة الشعبية و"مثّل" لنا ببراعة أنه يقف معها بل ويمدحها بوصفه أنه مع هذا " الشباب الجميل الذي خرج في المظاهرات " وأنه تعلل عند إحراج المذيعة له بسبب عدم خروجه معهم، قائلاً: " أخاف أن أضرب على رأسي بعصاية " في حين أن الشرفاء من الممثلين والممثلات كانوا خيراً منه بل واستمعنا كذلك إلى مجموعة من الفنانات شاركن في المظاهرات بكل قوة وجرأة ليس كما فعل هذا الكوميديان الذي كان ولا يزال " بوقاً " من أبواق النظام القمعي حين كان ولا يزال ينشر الفساد الأخلاقي في أفلامه بل ويستهزئ بالملتزمين والمتدينين المتمسكين بدينهم وأخلاقهم، في حين أنه " وقت الجد " يخاف ويفرّ ويصبح " شاهد ما شافش حاجة" وتنكشف جنديته لفرعون ومن وراءه من الطواغيت. إننا نعجب من هذا الوقت الذي يستمد فيه الطغاة قوّتهم من وقوفهم وراء إسرائيل وأمريكا، ويتهيأ لهم أنهم سيحمونهم من شعوبهم ومن المحاسبة والمساءلة حتى بعد انتهاء فترة حكمهم، نعجب كيف يتناسى هؤلاء أنه لا عاصم لهم من عقاب الله وغضبه، يوم يحل عليهم غضب الله ولعنته قريباً، فلن ينفعهم وقتها كفرهم ولن ينفعهم جنودهم ولا ما كانوا يعملون..