14 سبتمبر 2025

تسجيل

يريد للبنت تعليماً مكلفتاً

03 يناير 2023

قبل سنوات جاء صديقي يسألني عن الجامعة التي تدرس بها بنتي، لأنه كان بصدد الحاق أحد عياله بالجامعة ولأنه كان يعرف أن ثقافتي عن التعليم الجامعي في مختلف أنحاء العالم عالية، فعلى مدى سنوات طوال ظللت أنقب عن الجامعات وبرامجها ـ وبدأ ذلك عندما حان موعد التحاق ولدي الأكبر بالجامعة، حيث جلسنا أنا وهو أمام الإنترنت شهوراً طوالا نتراسل مع الجامعات في مختلف البلدان – ماعدا البلدان العربية لأسباب بديهية! – واجتمعت لديّ في البيت تلال من الكتيبات والمنشورات من جامعات أوروبا وأمريكا الشمالية وآسيا وإفريقيا (جنوب إفريقيا فقط)، يعود كثير منها إلى عصر ما قبل الإنترنت، وقبلوه في جامعات بريطانية وكندية أسترالية ومالطية وسنغافورية وكورية جنوبية، واستقر رأينا على نيوزيلندا (لأنه يشبه سكانها الأصليين ولأنها أقل تلك البلدان جرائم وليس بها تمييز عنصري! ولأن تكلفة التعليم فيها ليست عالية جدا مقارنة بالدول الأخرى)، وازددت معرفة بأحوال التعليم الجامعي في مختلف القارات، وأنا أناقش مع عيالي الثلاثة الآخرين، خياراتهم الأكاديمية في مرحلة التعليم العالي وكما أردد مرارا فإنني أعتقد أن اختيار الجامعة ونوع الدراسة بها هو أهم قرار يتخذه الطالب في حياته، (إلى جانب قرار اختيار شريك الحياة الزوجية)، ومن ثم فإنني أولي تلك المسألة اهتماماً كبيراً، دون أن يعني ذلك أنني أفرض على عيالي كليات بعينها، بل أترك لهم اختيار أكثر من مادة للتخصص، ثم أقضي وقتاً طويلاً في اختيار الجامعة في ضوء اعتبارات أكاديمية واجتماعية ومالية وثقافية!! المهم أجبت على استفسارات ذلك الصديق عن الجامعة التي تدرس بها بنتي، فتحمس لإلحاق بنته بها، ثم سألني عن المصروفات الدراسية فأجبته على سؤاله، فما كان منه إلا أن انتفض واقفاً وهو يصيح: مجنون أنت؟ تصرف على بنت كل تلك الآلاف بعدين يجي واحد يتزوجها وفلوسك تروح في الهوا؟ أحتفظ لنفسي عادة بمساحة خاصة لا أسمح لأي كائن باقتحامها، فقلت لصاحبي: مش شغلك كيف وأين أعلم بنتي وكم يكلفني تعليمها! فحاول الاستدراك وقال إنه يعني أن البنت لزوجها وإنه يكفي تزويدها بتعليم بسعر التكلفة. يعني شهادة جامعية أي كلام من أي مكان! قلت له: برضو مش شغلك! ولأنه كان في بيتي فقد حاولت تلطيف تعقيبي الجاف على كلامه ووجهت إليه سيلاً من الأسئلة: ماذا لو لم تجد بنتي من يتزوجها؟ ماذا لو تزوجت ثم تطلقت أو ترملت؟ ماذا لو تزوجت وأصيب زوجها بإعاقة؟ ماذا لو تزوجت برجل جلدة وقيحة يحرمها من ضروريات الحياة مثل صاحبنا فلان (وذكرت اسم شخص يعرفه كلانا بالبخل بدرجة أنه يلزم زوجته التي اضطرت إلى دخول الحياة العملية لتأكل وتلبس وتعالج نفسها وعيالهما على نفقتها)؟ ماذا لو لم تتزوج وأصبحنا أنا وأمها عواجيز مكعكعين بلا عائل ونحن ننتمي إلى بلد ليس فيه ضمان للعجزة وكبار السن وصغار السن شأنه شأن بعض جيرانه العرب والأفارقة؟ وقلت له: هل تريد مني أن آخذ اعتبارات الربح والخسارة في تربية وتأهيل بنتي؟ ومن يضمن لك أن "الولد" الذي تعتقد أنه أحق بالتعليم العالي "الغالي" سيكون باراً وحافظاً للجميل وسيرد إليك الجميل عدا نقدا بعد أن يدخل الحياة العملية؟ هنا وجدها صديقي فرصة ليسألني: ألا يدفع لك ولدك الذي دخل الحياة العملية جزءاً ثابتاً من راتبه؟ قلت له: هذه ايضا مش شغلك.. أنا لم أنفق على تعليمه ما أنفقت كي "أحاسبه" لاحقاً.. ولعلمك فهو لا يعطيني فلساً واحداً.. ولكن ذلك كان بإيعاز مني... والبركة في أمه التي باتت تتقاضى منه راتباً ثابتاً وصارت تقول لي: الحمد لله فولدي جنبني وقوف الكريم على باب اللئيم... واللئيم هنا هو أبو الجعافر.. وربنا على المفتري. [email protected]