13 سبتمبر 2025
تسجيلتَميل غالبيَّة الشركات إلى تجنُّب التحدِّي الشائع للتطوُّر والتغيير، الذي تَفرِضه ظروف العصر الحديث وتلاشِي المسافات الزمنيَّة والمكانيَّة وانفتاح العالم، ويكون الحلّ الأمثل بالنِّسبة إليهم الحفاظ على استقرار الأوضاع الإداريَّة والوظيفيَّة والبقاء في منطقة الأمان. لكنَّ الواقع الحالي لا يتواءم بأيَّة صورةٍ من الصور مع اتِّجاه هذه المُؤَسَّسَات؛ فرَفْضُها للتطوُّر والتغيير لإشباع رغبتها في الاستقرار والبقاء على نجاحها الآنِيّ، إنما هو أحد المُؤَشِّرَات لإعلان النهاية، فموت الشركات ضرورةٌ حتميَةٌ إذا لم تُواكِب العصر. فالأرقام تقول إن متوسط عمر الشركات انخفض من 67 عاما في عام 1920م إلى عام واحد فقط في عام 2017م. الشركات لا تموت بين عشيَّة وضحاها، بل قد يستغرق الأمر وقتًا طويلاً يصل إلى عشرات السنين، وهناك الكثير من المُؤَشِّرَات المهمَّة التي تُنْذِر مبكِّرًا باحتماليَّة الموت، وتساعد هذه المُؤَشِّرَات على اكتشاف الأمر. ويُمكن تقسيم هذه المُؤَشِّرَات إلى مُؤَشِّرَات جَلِيَّة يَسْهُل ملاحظتها، وأخرى خَفِيَّة قد يَغْفَل عنها كثيرٌ من المُديرين؛ فأما النوع الأول فيَتَجَسَّد في تراجُع حَجْم الأرباح التي تُحَقِّقها الشركة مقارنةً بأرباح مُنافِسيها، وهذا يُشِير بقُوَّةٍ لتراجع حِصَّتها السُّوقيَّة وفَقْد الكثير من العملاء. كذلك ارتفاع نسبة التكاليف الثابتة للشركة يُؤَشِّر كذلك إلى وجود أزمة كبرى في أدائها، وضَعْف نسبة هامش الربح، فالتكاليف الثابتة نقطةٌ رئيسةٌ في تحديد سياسات التَّسعِير ومتابعة مستوى الإنتاج، وحجم المبيعات، وبذلك فإنَّ ارتفاعها يؤدِّي إلى توالي الخسائر، ومِن ثَمَّ اللجوء إلى الاستدانة المُفْرِطة والوقوع في دائرة مُفَرَّغَة مِن الديون، والتي غالبا ما تنتهي بإعلان الإفلاس والموت التِّجاريّ. وهذا ما يدعو إلى التطوير الدائم في الأداء، والاعتماد على أكثر من مَوْرِد للاحتياجات، والتركيز على الإبداع والابتكار بدلاً من الانشغال بالمُنافِسين، وبالتَّالِي إضافة منتجات جديدة، وتحسين الخدمات باستمرارٍ، ما يُشْبِع احتياجات العملاء. كذلك يساهم مُعَدَّل استقطاب عملاء جُدُد في التُنبُّؤ بصورة غير مباشرة عن احتماليَّة موت الشركة، لأنَّ أيَّة شركة تسعى إلى تحقيق الرِّبح من خلال العملاء الجُدُد والقُدَامى، لذلك فإنَّ عدم اكتساب عملاء جُدُد يؤكِّد وجود خَلَل كبير في الأداء من حيث جودة المنتجات أو الخدمات، أو ضَعْف الخُطَّة التسويقيَّة. كما يرتبط أداء المُؤَسَّسَة بعوامل أخرى تقود أيضا إلى الموت السَّريع، مثل: وجود خَلَل مستمِرّ في نظام ودِقَّة المعلومات الفَنِّيَّة، التي تعتمد عليها خُطَط التشغيل والإنتاج والتسويق وغيرها؛ الأمر الذي يُؤدِّي إلى تَرَاكُم المخزون الرَّاكِد من المُنْتَجَات وتَعَرُّضه للفساد مع مرور الوقت، وبالتَّالِي خسائر فادحة. استقالة الكفاءات البشرية كذلك من المُؤَشِّرات الخَفِيَّة، هروب العناصر المؤّهلة نتيجة الصِّرَاعات الإداريَّة، أو غياب نظام عادل للترقية، أو غيرها من الأسباب ينذر بنزيف أهم الموارد التي تعتمد عليها الشركة في نجاحها. ختاما، حَالَ واجهت الشركة أحدَ هذه العوامل أو بعضها؛ فإنَّ الخطوة الأولى للتَّعافِي هي الاعتراف بالفشل وتحمُّل المسؤوليَّة، ثُمَّ التأمُّل الدقيق في المشكلة وقَبُول التَّحَدِّي لتجاوزها؛ بالمراهنة الدائمة على العمل والابتكار، فالانغلاق على الذات، وإنكار الخطأ، والذعر من الخسارة لن يُجْدِي نفعا، بل يُعجِّل بإعلان النهاية. هذه المؤشرات وغيرها تنطبق على الشركات الكبيرة والصغيرة، المؤسسات العامة والخاصة، الربحية والنفع العام، وكل أشكال المنظمات الإدارية مع اختلاف بعض المفاهيم.