17 سبتمبر 2025
تسجيلعندما نسمع أن أوباما ساكن القصرطرد 25 دبلوماسيا روسيا و أن ترامب خارج القصر رفض القرار بل أثنى بالمديح على بوتين و عندما نسمع أن موسكو و أنقرة قررتا التلاؤم مع العصر و أعلنتا وقف إطلاق النار في سوريا و أن يستمر الإرهاب الأعمى يضرب الأبرياء كما وقع في اسطنبول ليلة رأس السنة الجديدة لا بد و نحن نعيش يوميا أحداثا عجيبة لم نتوقعها أن نتأمل قليلا في عبر التاريخ خاصة أن الاعتبار بالتاريخ هو حكمة عربية إسلامية منذ أمرنا الله سبحانه في القرأن (واعتبروا يا أولي الألباب) ثم إن العلامة ابن خلدون عنون كتابه القيم الرائد بكتاب العبر. و من عبر التاريخ الحديث أن بعض أولي أمرنا نحن العرب و حتى العجم أصابتهم غفلة خطيرة في لحظة تحولات كبرى و حدث ما كان لا بد أن يحدث من أزمات و زلازل نراها اليوم في سوريا و العراق و ليبيا و اليمن مع تفاقم الإرهاب هنا و هناك . أذكر شخصيا أنه في أواخر الستينات، التف الرئيس بورقيبة التفاف الذئب على الشاة على أكبر وزرائه و الرجل الثاني في النظام آنذاك وزير الاقتصاد و المالية ثم التربية و التعليم و منظر الحزب الدستوري الاشتراكي و النقابي القديم أحمد بن صالح أمد الله في أنفاسه، وأودعه السجن و حاكمه بتهمة الخيانة العظمى، و دخلت تونس في دوامة التصفيات القضائية التي أطاحت بهيبة الدولة و مصداقية النظام، و دخل بورقيبة بسببها أيضا دوامة المرض البدني و النفسي، و بدأ العد العكسي لزعيم كبير أخذ المعول بيده ليحطم وحده ما بناه على مدى ربع قرن. و كان في مطلع السبعينات شاعرا تونسيا موهوبا هو الحبيب الزناد يكتب قصائده المعبرة الملتزمة و منها هذه القصيدة التي اعتبرناها أقصر قصيدة في اللغة العربية وهي تصف الزعيم بورقيبة و تقول بكل إيجاز و عمق و قوة تعبير:" دخل إلى قصره وخرج من عصره" . و بالفعل فالرئيس الذي حرر تونس من الاستعمار و أسس دولتها الحديثة و حقق لها من المكاسب ما تعتز به خرج من عصره أي انقطع عن الواقع و أصبح رهينة لبطانات طامعة في السلطة أو المصالح الدنيوية العاجلة و بدأ رحلة السقوط مع التقدم في العمر و تراكم العلل و سرعة التحولات الاجتماعية في وطنه و تغير المحيط العالمي. و هذه القصيدة تجسدت بعد ذلك في أكثر من نظام مع الأسف و بخاصة في الجمهوريات و قبلها في دول المعسكر الشيوعي المنهار من خلال التحولات التاريخية التي هزت شعوب رومانيا و بولونيا و المجر و بلغاريا و تشيكيا وسلوفاكيا و البلدان التي كانت منضوية تحت الوحدة اليوغسلافية المصطنعة، عندما انهار جدار برلين وأذن بالهزات العنيفة التي عصفت بدكتاتور رومانيا/ شاوشسكو و زوجته هيلينة. و هذا الطاغية الروماني شكل أبرز مثال حي للخروج من العصر والانفصال عن الواقع حين رجع من زيارة رسمية للصين فنزل في بوخارست و دخل قصره ومن شرفة ذلك القصر ألقى خطبته الأخيرة العصماء في آلاف الرومانيين محاولا قلب موازين التاريخ و تغيير مجرى الحضارة في حركة بائسة يائسة، تدل على مدى استفحال الغيبوبة السياسية لدى هذا الرجل. و انتهت المأساة بمهزلة المحاكمة السريعة الجائرة للرئيس /شاوشسكو و زوجته و التي أدت إلى إعدامه و إعدامها ذات ليلة صقيعية من ليالي ديسمبر 1989.