16 سبتمبر 2025
تسجيللم يكن الشهيد سيد قطب حالة عابرة في حياة جماعة الإخوان المسلمين أو مصر على وجه التحديد، فقد كان مفكرا كبيرا ومؤثرا إلى درجة جعلت أفكاره محركا للرياح التي توجه سفينة الإخوان المسلمين، وهي الأفكار التي عارضها قيادات في الإخوان مثل المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي، وهي رياح كانت تنطلق من محركات قيمية وأخلاقية مبدئية تتسم بالحزم والحسم، ولذلك كان التخلص منه "ضرورة وجودية" لنظام جمال عبد الناصر، فهذا الرجل عبارة عن آلة كبرى للحركة التي تتحرك بوقود من المفاهيم والمصطلحات والقيم غير القابلة للتفاوض، وبالتالي فإن التفاهم مع هذه "الحالة الثقافية أمر غير ممكن من حيث المبدأ، وقد عبر سيد قطب عن ذلك صراحة بقوله "إن مشكلتي في عقلي، أنا مفكر وكاتب إسلامي كبير والحكومة تريد القضاء على الإسلام عبر قتلي"، كما ذكر الضابط فؤاد علام الذي كان يرفقه إلى حبل المشنقة في مذكراته "الإخوان وأنا"، وقد رقي هذا الضابط إلى رتبة لواء فيما بعد، فلم يكن سيد قطب إلا كاتبا وأديبا ومنظرا إسلاميا، كانت تحيط مفارقات كثيرة منها أنه كان ضعيف البنية قوي القلب، تبدو عليه مظاهر المسالمة فقد كان مرهف الإحساس، قوي الحجة واللسان، وهي صفات لا تنسجم من هذه الثورية الطاغية التي كانت تسكنه.يمكن اعتبار 29 أغسطس 1966 علامة فارقة في مسيرة الإخوان المسلمين، ففي هذا اليوم أعدم سيد قطب، وفقدت الجماعة عمودها الفكري والثقافي الأبرز، وبدأت بعدها رحلة التيه والضياع التي أوصلت الجماعة إلى ما وصلت إليه حاليا، فهذه الجماعة لم تكن ثورية على الإطلاق، ولم تفكر إطلاقا بتغيير الواقع من منطلق ثوري عام، لأنها جماعة مبنية على أسس سلمية، فيما عدا الشهيد سيد قطب، الذي لم يكن يرى مثل هذا السلمية، رغم عدم دعوته للعنف إطلاقا، واستمرت الجماعة في رؤيتها التي تقوم على أساس إصلاح الفرد ثم الأسرة ثم المجتمع، أي أنها كانت تعتمد سياسة "القضم التدريجي" للمجتمع، فردا فردا من أجل الوصول إلى الهدف النهائي وهو "صلاح المجتمع كله" بما يؤدي تلقائيا إلى صلاح الدولة ونظامها، وهي نظرة "طوباوية"، ربما كان فيها شيء من الافتراض أن "الآخر"، حكومات وأحزاب سياسية وقوى اجتماعية ودينية واقتصادية محلية وإقليمية ودولية، سيقف على الحياد، بينما تقوم جماعة الإخوان المسلمين بقضم المجتمع أو إصلاحه، وهي نظرة كانت خاطئة تماما، فلقد أثبت هذا "الآخر" أنه عنيد وعنيف وشرس أو جاهل ورافض أو متردد ومتشكك"، وبين هذا وذاك وجدت الجماعة نفسها أمام حالة معقدة من الإرباكات والاختلافات، لم تستطع أن تتعامل معها كما ينبغي، واستمرت بالسير في نفس الاتجاه التقليدي غير المجدي من الناحية العملية، ما أوصلها إلى طريق مسدود.لا شك أن جماعة الإخوان المسلمين استفادت من الفراغ الذي كان يعاني منه المجتمع، ومن ضعف البنى السياسية والحزبية والتنظيمية لكل القوى الأخرى، بما في ذلك النظام الحاكم، مما أتاح لها المجال للتمدد، خاصة وأنها كانت الصوت الإسلامي الوحيد في مواجهة النظام الحاكم والأحزاب اليسارية والقومية والليبرالية، وهذا أعطاها أفضلية في الشارع الذي يجنح نحو الخطاب الإسلامي، إلا أن هذه الأفضلية لم تستثمر جيدا ولم تستمر طويلا أيضاً وهنا بدأت سلسلة المحن التي مرت بها جماعة الإخوان المسلمين.