21 سبتمبر 2025
تسجيلالمقصود بنقل السلطة هنا ليس الطريق الرسمي عبر الانتخابات التشريعية التي تمت مرحلتان منها والمرحلة ثالثة يتم إجراؤها اليوم، وإن كانت هذه الانتخابات إحدى الآليات المهمة والمشروعة لنقل السلطة. لكن ما نقصده هو نقل السلطة بمعناه الفعلي عبر اقتناع القائمين على السلطة الحالية بقبول تسليمها فعليا إلى القوة السياسية الأولى الفائزة، وهي هنا جماعة الإخوان المسلمين. فالأخبار تتواتر هذه الأيام عن بدء عملية التفاوض ليس فقط بين المجلس العسكري والجماعة، ولكن أيضا بينها وبين الولايات المتحدة باعتبارها ذات التأثير الأكبر على السلطة القائمة، وكذلك نظرا لمصالحها الاستراتيجية في مصر والمنطقة. فواشنطن لن تترك الأمور تسير على عكس رغباتها في مصر حفاظا على هذه المصالح، وإن كان ذلك لا يعني أنها سوف تستطيع فرض إرادتها كاملة، لأن الثورة أحرقت كثيرا من أوراق القوة التي كانت تستخدمها الإدارات الأمريكية المتعاقبة للتأثير على الأوضاع في مصر وفي المنطقة من خلال مصر. كما أنها أوجدت فاعلين جددا لهم تأثير أكبر بكثير من تأثير الخارج، في المقدمة منهم الشعب المصري الذي أصبح يراقب بشكل مباشر تطورات الأوضاع ومدى اتجاهها لتحقيق مصالحه. كانت آخر الأخبار التي تتحدث عن مفاوضات واشنطن مع الإخوان، هي تلك التي ذكرت أن الولايات المتحدة قدمت عرضًا للجماعة يتضمن دعم رغبة الأخيرة في أن يكون للأغلبية البرلمانية الحق في تشكيل الحكومة القادمة، والوقوف بكل قوة ضد أية محاولات من قبل المجلس العسكري للانقلاب على العملية الديمقراطية. فضلا عن دعم واشنطن للاقتصاد المصري، والإسراع في إبرام اتفاق للتجارة الحرة بين البلدين الذي واجه عقبات حالت دون إتمامه خلال السنوات الأخيرة، بالإضافة إلى تقديم منح أمريكية كبيرة تشمل تقديم مواد استهلاكية وغذائية وحبوب حتى يكون بإمكان الحكومة المصرية القادمة التصدي لحالة انفلات الأسعار التي تشهدها مصر خلال الفترة الأخيرة. في المقابل، تطالب واشنطن بمجموعة من المطالب والضمانات التي ينبغي على الإخوان الوفاء بها، وأبرزها استمرار الدور المصري الفاعل في حماية المصالح الأمريكية بالمنطقة، وضمان أمن واستقرار بلدان الخليج النفطية واستمرار العمل بشكل سلس وآمن داخل قناة السويس وعدم الدخول في مواجهات مع إسرائيل عبر الحفاظ على معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. وكذلك دعم تصور أمريكي للوصول لتسوية للصراع الفلسطيني الإسرائيلي والتدخل لدى حركة حماس لإقناعها بالقبول بحل وسط مع إسرائيل يتضمن تقديم تنازلات متبادلة في إطار حل الدولتين الذي تدعمه الإدارة الأمريكية. ويتزامن هذا العرض الأمريكي مع عرض من جانب جماعة الإخوان لكن هذه المرة موجه للمجلس العسكري، يرتكز على فكرة إعطاء الحصانة السياسية والقضائية الكاملة لأعضاء المجلس العسكري حتى يخرج خروجا آمنا من الحكم. وهذا العرض يعني أن المفاوضات التي تجريها الجماعة حول عملية نقل السلطة تتكون من شقين، أحدهما داخلي مع المؤسسة العسكرية والآخر خارجي مع حليف هذه المؤسسة وهي واشنطن. ويحاول الإخوان من خلال هذه المفاوضات المزدوجة القضاء على أية عراقيل ممكنة من جانب السلطة القائمة الحالية في الداخل أو القوة الخارجية التي ما زالت تملك تأثيرا على الأوضاع، وذلك عبر توفير شروط الأمان السياسي لعملية نقل السلطة التي تقوم على تحقيق أهداف هذين الطرفين بما لا يتعارض مع المصالح العليا للشعب والدولة المصرية وكذلك مع ثوابت الجماعة حتى لا يؤدي ذلك إلى الخصم من رصيدها أمام هذا الشعب. وحتى تنتهي هذه المفاوضات، فسوف تستمر لعبة المزاحمة الجارية بين هذه الأطراف حول أنصبتها المباشرة وغير المباشرة من السلطة الجديدة القادمة.