10 نوفمبر 2025
تسجيلgoogletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); عندما تحرم الظروف شعبًا ما ولفترة طويلة من إنتاج رمز وطني واحد يحمل مشروعًا وطنيًا ويمتلك الروافع اللازمة لترجمة هذا المشروع إلى واقع، وعندما يمر هذا الشعب من شقوق التجهيل ليستفيق وعندئذ يحس بواقع مرير يتجلى بأبشع صوره، عندها فقط يقوم الشعب باستحضار أحد شخصيات الماضي التي شكلت حالة خاصة يصعب تكرارها واستنساخها ليتباكى عليها ويتمنى أن تنهض كما هو طائر الفينيق. أسوق هذه المقدمة وأنا ألاحظ استحضار الأردنيين المكثف لرئيس الوزراء الأسبق وصفي التل وتحسرهم على أيامه، فهذا لا يعبر عن تقدير عالٍ لأبرز شخصية سياسية عبر تاريخ الدولة الأردنية فحسب بل عن حكم سلبي على الحقبة الأخيرة من تاريخ الأردن بعد أن سيطرت نخب وادي عربة والليبرالون الجدد (المرتبطين بمشاريع التفكيك والتوطين) على مفاصل الدولة واتباعهم سياسات أثارت وما زالت سخط الغالبية الساحقة من الشعب الأردني. أجيال كثيرة – وكاتب السطور من بينهم – لم يعيشوا مرحلة وصفي التل، غير أن هذه الأجيال تحفظ وصفي التل دون غيره عن ظهر قلب، فاستقر في القلوب ولن تمحوه سنون العجز من وجدان الأردنيين ووعيهم. فبالنسبة للغالبية الساحقة من الأردنيين يشكل وصفي التل الرمز الوحيد الذي آمن بالدولة وحمل مشروعها ودفع حياته ثمنا لذلك. الأردن الرسمي لم يف الشهيد وصفي التل حقه، فتاريخيا لا يحتمل النظام بروز شخصية وطنية تكون محط إجماع وطني، لهذا غاب وصفي التل من المناهج الأردنية، ولا يروق للأردنيين أن يتم التعتيم على رئيس حكومة استقر بالوجدان والوعي الشعبيين إذ كان الأحرى العمل على إنتاج نموذج آخر. لا شك أن هناك تيارًا معزولا يستحضر وصفي التل لتوظيفه في سياق سياسات وانحيازات لم تعد مقبولة في مجتمع متنوع ومندمج ومتكامل. وهنا اقتبس مما كتبه الكاتب الألمعي مالك العثامنة الذي التقط إشكالية كبيرة عندما كتب قائلا "المشكلة تجاوزت رصاص قاتل وصفي التي أدمت قلوب الأردنيين، إلى أن البعض استمرأ أن يعيد إنتاج وصفي كحالة سياسية متأزمة، ويستخدمون وصفي بغير ما كان عليه". أتفق مع الصديق العثامنة إذ أن وصفي قدم حالة أعمق بكثير من حصره في زوايا معينة. ولا أذيع سرا هنا عندما أقول إن أفضل من يتحدث عن وصفي التل هو عدنان أبوعودة – ضابط المخابرات القادم من نابلس والذي أصبح وزيرا في حكومة وصفي التل – الذي اقترب كثيرا من فكر التل. في إحدى الجلسات الخاصة مع عدنان أبوعودة أخبرني بأنه تعرف على صفي واكتشف كل واحد فيهما الآخر وأن عدنان أخذته النشوة عندما تيقن أن مشروع وصفي التل هو بالأساس يستند إلى وعي التل بخطر الصهيونية. ويصر عدنان أبوعوده أن وعي التل بالخطر الصهيونية وضرورة مقاومته قد شكل حجر الرحى في مقاربات وصفي التل. أحسب أننا في مأزق وأننا دخلنا نفقا مظلما وربما لا يكون الضوء في نهايته سوى ضوء لقطار قادم، فالأردنيون يشعرون بأن بلدهم يفتقد لسياسي من حجم ووزن وصفي التل يمتلك الوعي والاستعداد لتحصين البلد ضد الخطر الصهيوني المتبلور، والأنكى هو وجود بعض النخب التي ترى أن على الأردن التعامل مع مخرجات صراع باتجاه واحد ما يستلزم تدجين البلد لقبول بنتائج كارثية لتصفية قضية فلسطين.