09 أكتوبر 2025
تسجيلفي وقت يسير العالم فيه نحو آفاق متجددة في دعم وتطوير حقوق الإنسان، وتتسابق فيه شعوب الأرض لشرعنة القوانين والأطر التي تنظم الحياة البشرية وتحافظ على أثمن رأسمال وهو الإنسان، نرى أن الأوضاع العامة في مصر الجريحة باتت تتجه على يد الانقلابيين من أهل العسكر نحو نهايات عنف دموية مفتوحة ومؤلمة وتعيد صياغة وتسطير وصناعة صفحات مؤلمة وبشعة من التاريخ المصري المعاصر وأحداثه القريبة جدا، فبعد انقلاب 23 يوليو 1952 ورغم الضجيج حول شعارات وأهداف تلك الحركة وبرغم الضجيج الشعبي لم يتردد عسكر تلكم الأيام على إعدام العمال المنتفضين في كفر الدوار والمحتجين على سوء أوضاعهم الحياتية، وقضية البقري وخميس معروفة ومشخصة في التاريخ المصري المعاصر، وكانت تلك الجريمة السلطوية هي الباكورة في ملفات العسكر السوداء قبل أن تبدأ الحملة الأمنية الكبرى ضد جماعة الإخوان المسلمين والذين كانت عناصر عسكرية منهم قد لعبت أدوارا بارزة في تنظيم الضباط الأحرار الذي أطاح بنظام أسرة محمد علي، ثم تطورت الحملة وقتذاك لتقتلع معها الرئيس المصري ألأول اللواء محمد نجيب عام 1955 وبطريقة معيبة تتسم بالتنكر وانعدام الوفاء، ثم أطلق العسكر أذرعتهم القمعية لتظهر أنباء وجرائم (السجن الحربي) ثم السجون الصحراوية الرهيبة التي لفت بين ثناياها وفي غياهبها مختلف التوجهات المتواجدة في الساحة المصرية، فالإخواني يعذب بشراسة بجانب الشيوعي أو الديمقراطي، وظهرت أسماء قمعية رهيبة طرزت سجل العسكر القمعي من أمثال أحمد أنور وحمزة البسيوني وشمس بدران وغيرهم المئات من جماعة مكتب المشير في الجيش والمخابرات العامة، وظلت الصيغة الأمنية وفقا للأسلوب القمعي الستاليني الشهير هي الطاغية، وجاءت أحداث الوحدة المصرية/ السورية وقيام الجمهورية العربية المتحدة عام 1958 وحتى عام 1961 لتنقل القمع العسكري من الإطار المصري الداخلي للإطار القومي!!، لتكون تلك التجربة المرة هي منهاج العمل لكل الانقلابيين العسكريين العرب لاحقا!!، اليوم ورغم شعارات الثورة الشعبية التي رافقت انقلاب الثالث من يوليو العسكري الماضي وتبلور الرفض الشعبي والشبابي له نرى توجهات قمعية واضحة لا تخطأ العين الخبيرة قراءة دلالاتها ومضامينها تتعلق بالعودة لخيارات الماضي وممارسة أقصى درجات القمع من خلال سلسلة القوانين القراقوشية المعيقة للحريات أو من خلال إطلاق ماكنة القمع العسكرية المباشرة لتقتل الشباب المصري الرافض للديكتاتورية والاستبداد ولممارسة أساليب مخجلة لم يمارسها بهذا الشكل الفج حتى نظام المخلوع مبارك!، فقتل شباب الجامعات المصرية قد أضحى عقيدة ومنهج بيد قادة آلة القمع العسكرية الجديدة/ القديمة، والتفنن في سفك دماء مستقبل المصريين من الأجيال الشابة بات الهوية المميزة لنظام العسكر الذي يستمر في قيادة مسلسل الإخفاقات المستمر وتدمير مصر من الداخل، فقمع ومنع التظاهرات السلمية والتوجه لمحاكمة الشباب المصري ثم الحكم عليهم بسنوات سجن طويلة هو حالة إعدام واضحة لمستقبل مصر وطاقاتها الحيوية الشابة، وهو تكريس لمنهج استئصالي شمولي كنا نتصور أنه قد انتهى وتلاشى منذ منتصف سبعينيات القرن الماضي فإذا بآلة القمع العسكري المتجددة لا تمتلك إلا استحضار الماضي القمعي وإعادة رسم سيناريوهات الماضي القريب بديكورات مستحدثة وبدعايات إعلامية متطورة، التاريخ الإنساني لحريات الشعوب يعلمنا بأن العسكر ليسوا أبدا أداة للإصلاح وقيادة الشعوب نحو بر ألأمان، بل إنهم بأساليبهم القمعية وبرؤيتهم الفكرية المحدودة أقصر الطرق لجهنم!، ليس مقبولا ولا منطقيا مايحدث لشباب مصر اليوم من قمع تحت مظلة قصف إعلامي مموه، إنها مذبحة الحرية وهي تجري فصولا في مصر المحروسة لتؤشر على مستقبل أشد سوادا من قطع الليل المظلم... لا للقمع.. لا لعودة زوار الفجر وأهل السجون الحربية.. نعم لقيم الحرية المقدسة التي دفع شباب وشعب مصر دما عبيطا وغاليا لها...