21 سبتمبر 2025

تسجيل

حزب الكنبة يحمي مصر من المجهول

02 ديسمبر 2011

يطلق التيار العلماني على الأغلبية الصامتة في مصر اسم حزب الكنبة، على أساس أنهم لا يشاركون في العمل العام وكل ما يفعلونه أنهم يشاهدون الأحداث وهم جالسون على الكنبة في المنزل أمام التلفزيون. وقد انتشر هذا المصطلح كثيرا قبل ثورة يناير. ورغم المشاركة الواسعة للمصريين في الثورة، إلا أن هذا لم يمنع العلمانيين من الاستمرار في إطلاقه على الأغلبية، خاصة أنهم – أي العلمانيين – يعتبرون أنفسهم أصحاب الفضل في تفجير هذه الثورة وإسقاط النظام السابق، متناسين أن أيا من فصائل التيار العلماني لم تعلن مشاركتها الرسمية في الثورة إلا بعد مرور خمسة أيام على اندلاعها، أي بعد جمعة الغضب 28 يناير التي سقط فيها النظام الأمني الذي يرتكز عليه النظام السياسي. ومع اقتراب الاستحقاقات الديمقراطية، كان العلمانيون يزيدون من استخدام هذا المصطلح من أجل تحقيق أمرين أساسين: أولهما التأكيد مسبقا أن الانتصار الذي سوف يحققه التيار الإسلامي في هذا الاستحقاق، مثلما حدث في الاستفتاء على التعديلات الدستورية، يأتي بسبب عزوف الجزء الأكبر من الشعب المصري عن المشاركة في هذا الاستحقاق وبالتالي نفي هزيمة العلمانيين. أما الأمر الثاني فيتمثل في ممارسة ضغوط نفسية على هذه الأغلبية التي يعتبرونها صامتة من أجل دفع بعضها للخروج والتصويت لصالحهم لنفي هذه الصفة عنهم – أي حزب الكنبة. لكن قبل الانتخابات البرلمانية، أكثر التيار العلماني من استخدام المصطلح بشكل غير مسبوق من أجل إرهاب هذه الأغلبية ودفعها لعدم الخروج لأنهم يعلمون جيدا من تجربة الاستفتاء على التعديلات الدستورية أن أصواتهم ستصب في صالح التيار الإسلامي. وقد استخدموا إلى جانب هذا المصطلح أساليب الترهيب والتخويف من وقوع أحداث عنف وبلطجة كبيرة خلال الانتخابات بسبب غياب أجواء الأمن والاستقرار وهو ما سيؤدي - وفقا لهم - إلى تحول الشوارع المصرية إلى بحور من الدماء.. دماء هذه الأغلبية طبعا في حال خروجها للمشاركة في الانتخابات. لكن كعادة الشعب المصري، الذي أثبت أنه بالفعل شعب عظيم وأنه أذكى من كل القوى السياسية ومن كل محاولاتهم لجره إلى ناحية لا يريدها.. خرج إلى الانتخابات رغم كل مظاهر الترهيب التي مورست ضده رافضا التوصيف الظالم بأنه لا يشارك في صناعة الأحداث وأنه يجلس ليشاهدها من بعيد.. خرج بشكل لم يسبق أن حدث في أي دولة من دول العالم ووقف في طوابير طويلة وصلت في بعض الأحيان إلى أكثر من ألف متر.. حتى أن الكاتب البريطاني المشهور روبيرت فيسك قال " إن احتشاد المصريين في صفوف طويلة خارج مراكز الاقتراع ووقوفهم في صبر وحماسة، هو أمر من شأنه أن يجعل أي دولة أوروبية محل خزي وعار". لكن ربما الأولى بمشاعر الخزي والعار هم أولئك الذين وصفوه بالسلبية وبأنه حزب الكنبة. وهو وصف يدل على عدم فهم هؤلاء لطبيعة الشعب المصري الذي يتحرك وبشكل حاسم من أجل تحقيق أهدافه هو وليس أهداف الآخرين الذين يحاولون استخدامه. فقد تحرك هذا الشعب يوم 28 يناير حينما وجد أن الفرصة سانحة للقضاء على النظام الفاسد. ثم تحرك مرة أخرى يوم 19 مارس للتصويت على التعديلات الدستورية التي رأى أنها توفر خريطة طريق تحقق له أهدافه في الاستقرار والذي يساعد على بناء النظام الجديد بشكل هادئ. وها هو يتحرك للتصويت في الانتخابات البرلمانية ليؤكد من جديد أن الشرعية الحقيقية تنبع منه وليس من الميادين التي سيطرت عليها بعض القوى السياسية لمحاولة فرض إرادتها، والذي كان من الممكن أن يأخذ مصر إلى المجهول لولا خروج هذا الشعب من أجل انتزاع زمام الأمور من هذه القوى السياسية وتوجيهها نحو طريق الاستقرار مرة أخرى.