29 أكتوبر 2025

تسجيل

وكم ذا بمصر من المضحكات المبكيات؟

02 نوفمبر 2013

مسارات الأحداث المرعبة الجارية في مصر المحروسة منذ انقلاب العسكر بحلته الجديدة في الثالث من يوليو الماضي ستدخل التاريخ بكل تأكيد في غرابتها وغرابة الأحداث والتطورات الناجمة عنها و التي اتخذت للأسف مسارات دموية مؤسفة كانت عنوانا صارخا للانقلاب الصارخ على سلمية و شفافية ثورة الشعب المصري التاريخية في الخامس و العشرين من يناير 2011 وحينما حدد الشعب مساره وحقق أهدافه لأول مرة منذ عصر ومرحلة 23 يوليو 1952 ، وكان الأمل الشعبي و الشبابي كبيرا وواعدا في أن يزاح العسكر عن سدة التحكم و أن يتنفس الشعب المصري هواء نقيا بعيدا عن رائحة البارود و الرصاص و قعقعة السلاح وهدير الطائرات و جنازير الدبابات ، و أن يتم التحول و بأقل الخسائر لدولة مدنية و لنظام ديمقراطي يقرر الشعب المصري من خلال الآليات الديمقراطية المعروفة مساره و خياره و مستقبله ، ولكن يبدو أن الرهان على انسحاب العسكر من ميدان السياسة و السلطة المباشرة لم يكن سوى حلم في ليلة صيف سرعان ما تبدد في ليلة دموية عاصفة ورهيبة بعد مجزرتي النهضة و رابعة العدوية و التي سبقها انقلاب عسكري واضح المعالم أطاح بقيادة شعبية منتخبة و التي مهما ارتكبت من أخطاء تكتيكية ناجمة عن قلة الخبرة و التجربة إلا أن ذلك لايوفر أي مبررات حقيقية لانقلاب دموي خلط الأوضاع في مصر و كرس حالة الانقسام الشعبي و رسم خارطة طريق مشوهة لاحتمالات مستقبلية مزعجة و لتداعيات غامضة الله وحده يعلم نهاية مساراتها الغامضة ، و اليوم تبدو محاكمة الرئيس المنتخب و المخلوع عسكريا محمد مرسي بمثابة مشهد درامي زاعق لمأساة إغريقية تكررت صورها و معانيها و كل خزينها التاريخي في مصر كثيرا و بشكل محزن ؟ تصوروا أن العسكر يحاكمون رئيسا منتخبا لم يهدر دماء شعبه كما فعل الآخرون في ليل بهيم، ومع ذلك فهم يحاكمونه بتهمة ( قتل المتظاهرين )!! ووفقا لنظرية ( رمتني بدائها و انسلت )!! و كأن الذي قتل المعتصمين السلميين في ساحتي النهضة ورابعة كان محمد مرسي و طاقمه و ليس من نعلم و تعلمون و تعلم الدنيا بأسرها هويته الحقيقية و اسمه و عنوانه الوظيفي ؟ حوادث المحاكمات الغريبة في مصر تكررت كثيرا خلال سنوات ما بعد 23 يوليو ورسمت مشاهدا تراجيدية لصراعات ساخنة على السلطة و لعل من يهتم بتاريخ مصر الحديث يعلم بمحاكمات قادة سلاح الفرسان الذين تمردوا على قيادة جمال عبد الناصر عام 1953 ثم محاكمات الإخوان المسلمين و المجازر التي وقعوا ضحيتها بعد عام 1955 و مذبحة 1965 الشهيرة و التي استمرت فصولها حتى هزيمة يونيو 1967 ، كما يعلم الجميع بالمصير الأسود الذي انتظر قائد حركة 23 يوليو اللواء محمد نجيب الذي تعرض لإذلال و لمعاناة رهيبة استمرت طويلا حتى بعد رحيل عبد الناصر و السادات وحيث تم الإفراج الصحي عنه في عهد مبارك رغم أنه لم يحاكم أمام أي محكمة عسكرية أو مدنية بل ظل رهين المحبسين وتحت الإقامة الجبرية ووفق منظومة تعتيم رهيبة بحيث لم يعرف العديد من أبناء الأجيال المصرية اللاحقة أية معلومات حقيقية عنه وعن دوره التاريخي في إسقاط نظام حكم الأسرة العلوية في مصر ، المهم إن محاكمة الرئيس محمد مرسي اليوم تثير في النفس كل علامات التعجب و الدهشة و الحيرة من مصير ثورة شعبية عادت للمربع الأول بعد أن تمكن العسكر من إعادة تعويم الموقف و ركوب الأحداث و التهيؤ لمرحلة حكم و تحكم جديدة وفي ظل إجراءات غير مسبوقة في التحايل على العملية الديمقراطية من خلال ( تحصين ) منصب وزير الدفاع ؟ أي أن يكون الوزير أكثر حصانة و سلطة من الرئيس المنتخب ومحصن من أن تمس ذاته الهمايونية!! و لا أدري من أي مدرسة سياسية تنبع تلك الأفكار التي يراد فرضها على العالمين ، محاكمة الرئيس المصري المنتخب و المخلوع عسكريا هي في حقيقتها فضيحة بجلاجل تؤشر على مدى الخلل في الرؤى و النطلعات و الأفكار؟ فمن لا يمتلك الشرعية الدستورية و القانونية أضحى يحاكم من اكتسب الشرعية الدستورية وفي معادلة مختلة وغريبة تكرس صرخة المتنبي قبل قرون و أيام حكم الأخشيد : ( وكم ذا بمصر من المضحكات ولكنه ضحك كالبكاء )! ؟...