31 أكتوبر 2025

تسجيل

مجتمع الفاسدين يقاوم التغيير برفض الدستور

02 نوفمبر 2012

تشهد مصر في اللحظة الراهنة حالة توافق عجيبة لم تشهدها منذ نجاح الثورة في الإطاحة برأس النظام السابق منذ أكثر من عشرين شهرا. لكن للأسف، هذا التوافق لا يتعلق بتلاقي قوى وفئات ومؤسسات المجتمع المختلفة على كيفية العمل معا من أجل تحقيق أهداف الثورة المتمثلة أساسا في إحداث تغيير جذري للقضاء على مؤسسة الفساد الكبرى التي حكمت وما زالت تحكم المجتمع منذ عقود مضت، وإنما يتعلق برفض عملية التغيير المرجوة من خلال رفض تغيير وضعيتها في الدستور الجديد والإبقاء على أمراضها التي عانت منها وكأنها تأقلمت مع هذه الأمراض للدرجة التي أصبحت لا تستطيع مفارقتها. فقد شاهدنا خلال الأيام الماضية حالة الرفض الشديدة التي لاقتها مسودة الدستور الجديد من جانب كافة مؤسسات المجتمع: القضائية، والإعلامية، والاجتماعية، والسياسية. ولم يقتصر الأمر على الرفض وإنما تعداه إلى التهديد بمواجهة عنيفة مع الجمعية التأسيسية التي صاغت النصوص الجديدة للدستور، إذا لم تقم بتغيير تلك النصوص بنصوص ترضي هذه المؤسسات. وكانت أكثر المؤسسات اعتراضا هي المؤسسة القضائية، رغم أنها تعاني من فساد لم يسبق له مثيل في تاريخ القضاء المصري. فقد أعلن نادي القضاء الذي يسيطر عليه نخبة كانت منحازة إلى النظام السابق في كل توجهاته قبل الثورة، وبعدها عبر مواجهة نتائجها بكل ما تملكه من قوة من أجل منع التغيير. ولعل حادثة إقالة النائب العام خير دليل على ذلك، حيث قام القضاة بالوقوف أمام محاولة الإقالة، ليس لأن الشعب المصري لم يكن مع عملية الإقالة، وليس لأن النائب العام قام بما يتوجب عليه في مواجهة الفساد، ولكن لأن القاضي رفض التحقيق في البلاغات التي تتضمن تهما بالفساد المالي والإداري لهؤلاء القضاة. ولم يكد صوت نادي القضاة يعلو برفض الدستور الجديد، حتى أعلنت المحكمة الدستورية العليا هي الأخرى رفضها النصوص المتعلقة بها، خاصة تلك التي تتحدث عن عدم ولايتها النظر في الجانب الموضوعي من قضايا عدم دستورية القوانين، معتبرة أن ذلك انتقاص من مهامها التي كفلها دستور 1971 الذي أسقطته الثورة. وذلك دون النظر إلى الأسباب التي دفعت الجمعية التأسيسية لوضع النص الجديد، والتي تدور حول منع الإشكاليات التي ظهرت من قبل في أحاكم المحكمة كما هو الحال بشأن حكمها الصادر في يونيو الماضي بحل مجلس الشعب المنتخب بعد الثورة. وكان قبل هذا الموقف، الحملة الشرسة التي شنتها إحدى فروع المؤسسة القضائية وهي هيئة قضايا الدولة من أجل تحويلها إلى نيابة مدنية بعكس الحال الذي كانت عليه قبل الثورة، وهو الأمر الذي يخالف كل الأعراف القانونية في كل دول العالم. وكما أعلنت مؤسسة القضاء بفروعها المختلفة رفضها نصوص الدستور الجديد، أعلنت كذلك مؤسسات أخرى مثل الأزهر الذي رفض النص على كيفية اختيار شيخ الأزهر، والسن القانونية التي يخرج عندها من الخدمة، وذلك حتى تستمر سطوة الشيخ الحالي الذي كان أحد أعضاء لجنة السياسات التي يقودها جمال مبارك، وكان له موقف مضاد للثورة منذ يومها الأول. نفس الموقف اتخذته المؤسسات الإعلامية والحقوقية التي ترى أن الدستور الجديد لا يحتوي على نصوص قاطعة بخصوص الحقوق والحريات التي تضمن عمل هذه المؤسسات دون ضغوط. من يرى الساحة السياسية المصرية الآن يتأكد أن مجتمع الفاسدين الذي خلقه مبارك ونظامه، يبذل أقصى جهده من أجل مواجهة التغيير بكل الوسائل الممكنة، خاصة من وسائل الإعلام التي يحاول من خلالها الظهور بمظهر المدافع عن الدولة المصرية في مواجهة ما يسميه عمليات "الأخونة" التي لا توجد إلا في عقول من يستمعون إليهم ويصدقونهم.