15 سبتمبر 2025

تسجيل

الغرب يريد إسقاط وول ستريت (2-2)

02 نوفمبر 2011

من خلال مظاهرات الشوارع الغربية هذه الأيام ضد منظومة (بريتن وودس) الجائرة والمناداة باحتلال (وول ستريت) نستخلص انتصار رجل أمريكي فذ هو عالم الاقتصاد المعروف (ليندن لاروش) الذي كان مستشارا للرئيس ريغن في الثمانينات و الذي أنذر الغرب مرارا بأنه مقبل على كارثة انهيار اقتصادي و مالي كبير بسبب تواصل تغول الرأسمالية المتوحشة و غياب رؤية حضارية إنسانية للعلاقات الدولية و نسيان أمم إفريقيا و تركها نهبا للأوبئة و المجاعات و الحروب و عدم إنجاز مشاريع عملاقة تعيد للاقتصاد الحقيقي مواقعه المسلوبة. هذا الرجل تكلم منذ أكثر من ثلاثين عاما و كتب وحذر و نظم المؤتمرات و تشرفت شخصيا بأن كنت العربي الوحيد الذي صادقته و رافقته على مدى ثلاثين عاما و استضافني في بيته بضواحي واشنطن و في بيت زوجته الناشطة السياسية الألمانية في مدينة فيزبادن بألمانيا كما دعاني إلى التعبير عن حقوق العرب وبيان مظلمة فلسطين في مؤتمراته للرأي العام الأمريكي. هاهو صديقي لاروش ينتقم من خصومه و من سياسات التجويع و التفقير و يرى اليوم ما تنبأ به و دعا إليه أي قيام الشعوب بتحمل أمانة التغيير و الخروج للشوارع دفاعا عن كرامة المواطن الغربي وحقوقه و لقمة عيشه. و قال لي لاروش في الصيف حين التقينا : " لعلني أنا يا أحمد كنت البوعزيزي للغرب أشعلت شرارة إنطلاق ثوراته " فالذي نقرأه من خلال المظاهرات الشعبية في عواصم أمريكا و أوروبا هو أن النخبة المفكرة في الغرب شرعت في إحياء أصول الليبرالية الأخلاقية أي الخاضعة الى قوانين العدالة الاجتماعية و العدالة الدولية و ذلك بالرجوع إلى قراءة أشهر كتاب لأشهر عالم اقتصاد يعتبر أبا للرأسمالية وهو البريطاني (جون ماينار كاينس) و الذي عنوانه (النظرية العامة للعمل و الفائدة و النقد) وهو الذي أثبت بأن كل أزمة نقدية تضرب أسواق المال لا يمكن حلها سوى باعتماد منهج سياسي و حضاري بعيد المدى يؤمن الثروات لأنه يعدل في توزيعها. هذه النظرية التي خانها غلاة الليبرالية المتطرفة في العصر الحديث أي كل من قادة الغرب منذ أن دشنوا في الثمانينات عهدا اقتصاديا و سياسيا غربيا ألغى كل ما يتعلق بالرقابة و المحاسبة والمتابعة بتعلة أن اللليبرالية تعدل و تنظم نفسها بصورة ألية. وهو نفس النهج الذي سار عليه المحافظون الجدد في ادارة الرئيس دبليو بوش منذ عام 2000 ورأينا تداعياته على السلام المهدد في العالم و على عودة أشباح الحروب و الأزمات الاقليمية الكبرى، لأن الرأسمالية المجنونة بكل بساطة ( و العبارة هنا لأستاذنا جوزيف ستغليتز الحاصل على نوبل للاقتصاد وهو أمريكي و أيضا للسيدة مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في ادارة كلنتن وهي أمريكية) اذن الرأسمالية المجنونة تتحول الى ألة عسكرية تصنع الحرب وتغذي الفوضى للحفاظ على الصناعة الأمريكية و على التفوق الأمريكي بالقوة لا بالحكمة. و من هنا نفهم لماذا يخطط الغرب بواسطة ذراعه العسكرية أي حلف الناتو للانفراد إذا تمكن من ذلك بتوجيه الحراك العربي الراهن نحو خدمة مصالح الغرب و توسيع نفوذه وتحجيم القوى الجديدة الصاعدة مثل الصين و الهند و البرازيل و العالم العربي الناهض ومنع تركيا الجديدة من زعامة العالم الإسلامي. و يجمع أغلب المراقبين و الخبراء في الغرب اليوم على أن الحراك العربي الطارئ سيغير من قواعد اللعبة الأستراتيجية في العلاقات الدولية بين الأمم بدءا من تقلص النفوذ الأمريكي بسبب مديونية الدولة الفيدرالية الأمريكية و خوضها لحروب إقليمية عديدة. و نحن على أعتاب إنتخابات أمريكية وأوروبية قادمة سوف يفوز فيها بفضل حراك الشارع الغربي الزعماء الذين يدركون قبل غيرهم بأن الولايات المتحدة تسعى نحو الكارثة بمنطق الليبرالية الظالمة في كنف الحروب التي تشن من أجل الهيمنة على النفط ( كما قال السيد ألن غريسبان الرئيس السابق للخزينة الفدرالية الأمريكية من 1987 الى 2006). و سينتصر فيها أولئك الذين ينادون أيضا باعادة التأسيس لا فقط لمنظومة (بريتن وودس) و لكن لعلاقات دولية وأمريكية أكثر عدلا تتشكل على اقتصاد وطني سخي و غير أناني لا يهمل الأمم المتخلفة التي يموت منها يوميا الملايين جوعا وعطشا و مرضا و تهجيرا قسريا و ارهابا رسميا. و تبدو الخيارات التي انتهجتها واشنطن منذ رئاسة الرئيس بوش الابن و حتى باراك أوباما و كذلك سياسات ساركوزي و ميركل وبلير و وريثه كاميرون في أوروبا هي المشار إليها بالبنان كصانعة أصلية لأزمة الغرب والعالم وهذا الاتهام وجهته الجماهير الغاضبة في أثينا و برشلونة وفرنكفورت و سياتل وغيرها لهؤلاء واضعة إياهم على رأس قائمة المتهمين بإثارة الكارثة.