13 سبتمبر 2025

تسجيل

ترجموا.. لتعارفوا!

02 أكتوبر 2023

ماذا لو لم يبتكر البشر فكرة الترجمة بين اللغات المختلفة؟ كيف يمكننا التواصل مع بعضنا البعض ونحن لا نملك لسانا مشتركا، رغم أن الله خلقنا شعوبا وقبائل بألسنة مختلفة لنتعارف؟ أي قيمة يمكن أن ندركها للترجمة في عالم يعج باللغات واللهجات، أحيانا حتى في البلد الواحد أو الثقافة الواحدة؟ حضرت قبل أيام، عن بعد، ندوة نظمتها ودعت إليها جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي عبر تقنية الزوم، بمناسبة الاحتفال باليوم العالمي للترجمة، ورغم أن الندوة التي شارك فيها خمسة مترجمين عربا وأجانب جمعتهم اللغة العربية على ضفافها نقلا منها وإليها، عقدت تحت عنوان «تجارب في الترجمة»، إلا أن الحديث الذي امتد لساعتين تجاوز تلك التجارب الشخصية الشيقة الى عمق الفكرة ومستقبلها أيضا، وهو مما شجع جمهور الندوة الذي بلغ 170 مهتما من مختلف دول العالم، على البقاء في سياقها حتى النهاية، متفاعلا بالنقاشات والأسئلة والاستفسارات والأفكار الإضافية، ما يلقي الضوء على أهمية الترجمة فعلا في العالم الراهن، وازدياد عدد المهتمين بها. تعد الترجمة من أقدم الفنون المعروفة للإنسان، فقد بدأت منذ آلاف السنين عندما بدأ البشر في التفاعل والتواصل مع بعضهم البعض. ومنذ ذلك الحين، أصبحت عنصرًا حاسمًا في التواصل الدولي والثقافي، إذ كانت دائما تلعب دورًا حيويًا في بناء الفهم المشترك وتعزيز السلام والتعاون الدولي، فهي تساعد في نقل الأفكار والمفاهيم من لغة إلى أخرى، مما يمكن الأفراد من فهم واستيعاب ثقافات متنوعة وإطلاعهم على أفكار ومعلومات جديدة. ومن خلالها، أصبح بالإمكان الوصول إلى الأدب والفلسفة والعلوم والتكنولوجيا ومختلف المجالات الأخرى المتاحة في لغات أخرى، كما أنها تلعب دورًا بارزًا في بناء الأفكار المشتركة بين الثقافات والمجتمعات، عبر تبادل الأفكار والتجارب والرؤى، وبالتالي يمكن تعزيز التفاهم والتعاون العابر للحدود. إنها عملية ثقافية ديناميكية تساهم في تكوين هوية جماعية تتجاوز القيود اللغوية والثقافية. ومع تطور التكنولوجيا والاتصالات، يبدو مستقبل الترجمة مفتوحا على آفاق جديدة لا يمكن التنبؤ بها في الوقت الحاضر. فالتكنولوجيا الحديثة أصبحت تقدم أدوات ترجمة آلية تساعد في تسهيل عملية الترجمة وتحسين كفايتها، كما أن التطبيقات الآلية والذكاء الاصطناعي وغيرهما من حلول تقنية جديدة في ميدان اللغات، تبشر بتطوير فكرة الترجمة، مما يساهم في تعزيز التواصل العابر للغات، وإن كانت كل التقنيات في هذا الحقل ما زالت، بحاجة الى التدخل الإنساني بشكل واع. كما ينبغي علينا ملاحظة أن الترجمة الآلية لا تزال تواجه تحديات مثل فهم الدقة الثقافية والتواصل اللغوي الدقيق. فاللغات ليست مجرد نظام للكلمات، بل تحمل قواعد وثقافات ومعاني خاصة بها. وهذا يعني أن حاجة العالم للمترجمين ملحة، وعليه أن ينتبه للتحديات التي يواجهها هؤلاء في التعامل مع تعدد اللغات والثقافات، والتأقلم مع المصطلحات والتعبيرات الجديدة في المجالات العلمية والإنسانية المستجدة. وهذا يعني أن تعزيز التعليم والتدريب في مجال الترجمة أصبح أمرًا حاسمًا لتطوير المهارات وتعزيز جودة الترجمة، وهو مما يحتم تعزيز البحث والتطوير في ذلك المجال، وتوفير الموارد والدعم اللازمين للمترجمين والمؤسسات التي تعنى بذلك، من أجل بناء مستقبل أفضل يعزز التفاهم والتعاون العالمي بين الشعوب ويحفظ للترجمة مكانتها وللمترجمين شغفهم في وصل الشعوب بهمزة اللغة الساحرة.