15 سبتمبر 2025

تسجيل

اللسان عندما يرفس صاحب السلطان

02 أكتوبر 2017

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); لو عدنا بالذاكرة خمس سنوات أو أكثر قليلا، لاكتشفنا أن الزعماء الذين طاروا في إعصار الربيع العربي، كانوا الأكثر ثرثرة، أي، ينتمون إلى العصر الجاهلي الذي كانت فيه القصيدة التي عليها القيمة تسمى "معلقة"، وجارى الزعماء المخلوعون روح العصر الجاهلي بالمعلقات النثرية الثرثرية، فقد كان الواحد منهم يرغي ويزبد لساعتين أو ثلاث دون أن يفتح الله عليه بجملة مفيدة.ولا أعرف خارج الوطن العربي زعيما جارى زعماءنا وبزّهم في ذلك المضمار، سوى الزعيم الكوبي الراحل فيدل كاسترو، الذي كان زعيما حقيقيا لشعبه ولم يكتسب تلك التسمية من باب "زعم، يزعم"، بل بعرق جبينه، وكانت خطبه الجماهيرية من فصيلة المعلقات، لأنه كان لديه ما يقوله لشعبه، وللولايات المتحدة التي ظلت تخطط لقتله، وجرجرة بلاده إلى حظيرة جمهوريات الموز، التي تختار واشنطن رؤساءها وأعضاء حكوماتها، أما الزعيم الفنزويلي الراحل هوغو شافيز، فالراجح عندي أنه كان يتخذ من الزعيم الليبي قتيل أنبوب الصرف الصحي (القذافي) مثلا أعلى، فكلاهما كان يقدم برنامجا تلفزيونيا أسبوعيا، يبرطم خلاله كما يشاء، وكان كلاهما لا يعرف أن الأقربين أولى بالمعروف، فقد ظلا يهدران ثروات بلديهما النفطية لاكتساب شعبية عالمية، بينما كان الليبيون والفنزويليون، يعرفون فقط من وسائل الإعلام أن بلديهما يحوزان ثروات نفطية هائلة.ومشكلة القادة العرب الذين يعشقون الثرثرة، هي أنهم يضطرون في معظم الأحوال إلى الارتجال، لأن سياساتهم تقوم على الارتجال و"زرق اليوم باليوم"، ولعل الرئيس المصري الراحل جمال عبدالناصر هو مؤسس مدرسة المعلقات الجماهيرية، ولكن كان مثل كاسترو، عنده ما يقوله: التأميم وحرب السويس وحركات التحرير في الجزائر واليمن الجنوبي وهزيمة يونيو حزيران 1967 و"ما أُخِذ بالقوة لا يسترد إلا بالقولة"، ثم خلفه السادات الذي كان يستحق الأوسكار أكثر من استحقاقه لجائزة نوبل للسلام، فقد كانت خطبه "ممسرحة"، وحباه الله بحبال صوتية قوية، كان يستغلها لتقسيم الجمل إلى مقاطع يعلو فيها صوته وينخفض ويمتد ويرتد بحساب من درس فنون العمل الإذاعي أو الدرامي (وانهالت على المسكين الشتائم بسبب إبرامه لاتفاقية كامب ديفيد، من نفس من هللوا لاحقا لكامب أريحا، وشتان ما بين الكامبين).وفجأة ودون سابق تخطيط وتدبير وجد حسني مبارك نفسه رئيسا لمصر، ولولا خالد الاسلامبولي لما آل الأمر إليه، ومع هذا كان هو من وقع على أمر إعدام الإسلامبولي وكان حسني مبارك في أيامه الأولى في الحكم يعرف قدر نفسه، ولا يخاطب الناس إلا من نص مكتوب، وشيئا فشيئا "صدّق حاله"، وأنه مؤهل لشغل المنصب مدى الحياة، فبدأ يمارس ما يسميه المصريون "العك" الخطابي، بدرجة أحسب فيها أن أصحاب المعلقات السبع تململوا وتميّزوا غيظا في قبورهم. وفشار سوريا الحالي أيضا صار رئيسا بالصدفة، فلو لم يمت شقيقه باسل في حادث سيارة، لكان على أحسن الفروض مديرا لمستشفى أو وزيرا للصحة، وخلال سويعات بعد وفاة والده كان قد تم تفصيل الدستور على مقاسه، وكان أعجب ما في الأمر أن شخصا لم يكن يحمل حتى رتبة جندي في القوات المسلحة، نال خلال دقائق رتبة فريق أول، وصار القائد الأعلى للقوات المسلحة. وأذكر أنني حرصت على متابعة أول خطاب له كرئيس لسوريا، ولم يخيِّب ظني فيه: فقد استغرق خطابه ساعتين وربع الساعة، فصارت تلك المدة السقف الأدنى، كلما خطب خطبا جسيما في الكرنفال المسمى "برلمان".والشاهد يا قادتنا البواسل، هو أنكم المعنيون بمقولة إن السكوت من ذهب، فكلما أفرطتم في الثرثرة واللغو كلما انكشفت سوءاتكم، ولعل أحداث الأعوام القليلة الماضية تثبت لكم كم كان حكيما من قال: لسانك حصانك، إن لم تصنه رفسك، وألزمك مستشفى السجن أو المنفى أو القبر.