13 سبتمبر 2025

تسجيل

الفرق بين القول والعمل

02 أكتوبر 2015

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); القوة ليست مرتبطة فقط بتوفر الإمكانات والمقدرات وإنما بالرغبة في توظيفها لصنع الفارق، وروسيا ليست بلدا ذات إمكانيات هائلة، فالناتج القومي بها بحدود 2 تريليون دولار (وهو لا يساعدها لأن تلعب دورا يليق بدولة عظمى بالمعنى الحقيقي)، وتفوقها على دول كثيرة مثل بريطانيا التي يصل إجمالي ناتجها الوطني إلى نحو 3 تريليونات دولار والولايات المتحدة بإجمالي ناتج محلي يصل إلى ثمانية عشر تريليون دولار، ومع ذلك فإن روسيا بقيادة بوتين ترغب في توظيف هذه الإمكانات لتحقيق مصالحها.والحق أن هناك فرقا ملموسا بين الخطابات الرنانة التي يلقيها الرئيس أوباما والبلاغة في توصيف المرتكزات "الأخلاقية" التي تحدد موقف بلاده من الأزمة السورية وبين ما تقوم به بلاده عمليا من جانب وبين ما يقوم به الرئيس بوتين على أرض الواقع. فمشكلة الرئيس أوباما هي تماما كما وصفها الكاتب الأمريكي الشهير توماس فريدمان في مقال له نشر في صحيفة النيويورك تايمز يوم أمس الخميس لا تتعلق فقط بوجود حالة من التردد في التورط عسكريا في سوريا (وهو أمر ليس بالضرورة سيئا وفقا لتوماس فريدمان) وإنما أيضا بعدم امتلاكه الجرأة لمصارحة الشعب الأمريكي بحقيقة موقفه، وبالتالي يسمح لنفسه بأن يبقى عرضة للانجرار لقول أشياء لا يريدها في واقع الأمر. بمعنى أن أوباما يمتلك "الحكمة" لكنه يفتقد جرأة مكاشفة الشعب الأمريكي بها وربما هذه رسالة التقطها الرئيس بوتين جيدا عندما تيقن الأخير أن إستراتيجية أوباما في سوريا لا تضع خطوطا حمراء على بقاء الأسد أو على تدخّل روسيا عسكريا لصالح إبقاء النظام إن جاء ذلك تحت عنوان محاربة الإرهاب.. وفي دفاعه عن سياسة أوباما، يسخر الكاتب توماس فريدمان من بوتين ويصف سياسته في سوريا بالغبية لأنها ستجعل من روسيا عدوا رقم واحد للعرب السنة في العالم العربي، وأكثر من ذلك يرى فريدمان بأن رهان بوتين في سوريا هو رهان خاسر.غير أن المتابع العربي لا يهتم كثيرا بهذه التفسيرات التي يدلي بها توماس فريدمان، فالعربي يرى بأن الرئيس الأمريكي تواطأ ووفر فرصة ذهبية ليس فقط لتدخل الروس السلبي أو للتنمر الإيراني في المنطقة وإنما لاستمرار عمليات التقتيل والتهجير التي تجري على قدم وساق. وفي سياق متزامن تحولت صورة الولايات المتحدة في عهد أوباما كمن يتخلى بسهولة عن حلفائه في المنطقة مقابل إصرار الدب الروسي على دعم حلفائه وهو ما نراه الآن في سوريا، فالرئيس بوتين أقدم على الخطوة العسكرية بعد أن تيقن بأن مليشيات حزب الله وإيران وقوات الأسد تقترب من هزيمة عسكرية في سوريا.وعلى نحو لافت فإن بوتين يعد أكثر وضوحا من نفاق الغرب، فهو لا يدعم التحول الديمقراطي كما يقوم به الغرب لفظيا وإنما يقول بصراحة بأنه غير معني بهذا الملف، وهو معنى فقط بالحفاظ على مصالح بلاده التي من ضمنها الحفاظ على حلفائه وأن تخليه عنهم لن يتم إلا في سياق صفقة تخدم روسيا أو في حال تكبد هزيمة عسكرية لا ترعب أو تقلق الروس الآن لأن الغرب غير معني بالتدخل عسكريا.ليس واضحا إن كان هناك تصور روسي لحل مرض في سوريا، لكن على أرض الواقع أصبح بوتين لاعبا رئيسيا لا يمكن تجاوزه إلا بكلفة باهظة لا نتوقع من الغرب تقديمها. لكن الواضح أن التردد الغربي والخوف من عقدة العراق هو ما خلق فراغا التقطته موسكو بعد أن تأكدت من أن الغرب الذي يمتلك إمكانات (تجعل من روسيا لاعبا قزما) لا يرغب في إبراز أنيابه في سوريا.فأوباما ما زال يتذرع بضرورة وجود البديل السوري المقبول أمريكيا حتى لا تتحول سوريا إلى فوضى وتصدر الإرهاب! والمفارقة أن أوباما يتحدث عن الخوف من البديل وكأن الأسد يتحكم في خيوط المشهد السوري أو كأن سوريا لا تشكل الآن مرتعا للإرهابيين!لكن بعيدا عن تردد أوباما أو افتقاده لسياسة واضحة، غيّر التدخل الروسي العسكري المتذرع بمحاربة الإرهاب والمدافع عن نظام الأسد من قواعد اللعبة، ويبدو أن السيناريوهات المطروحة هي قليلة، فأما تعاون روسي أمريكي لإلحاق هزيمة بداعش مع المضي بمسار سياسي بالتوازي يفضي إلى اخراج الاسد من المشهد السياسي أو تحويل سوريا إلى أفغانستان جديدة وبإمكان الغرب تزويد المعارضة المعتدلة بصواريخ ستينغر مما يشكل تهديدا كبيرا على الطيران الروسي كما حدث في أفغانستان. والحق أن هناك دوائر غربية تفكر في توريط روسيا عسكريا لكي تخسر وتبدأ برحلة البحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه عندها تضطر موسكو الموافقة على الشروط الغربية في الانتقال السياسي من دون الأسد.بكلمة، التدخل الروسي لم يكشف عن ضعف غربي أو أمريكي بل ربما يدفع الطرف الغربي إلى حسم خياراته القادمة والانخراط مع بوتين تعاونا أو تصادما، فلم تعد الولايات المتحدة تمتلك رفاهية الانتظار لأن روسيا وعلى العكس من إدارة أوباما تعمل أكثر مما تتحدث، والدرس المستفاد هو أنه لم يكن ممكنا للقيادة الروسية التدخل لولا أنها استبطنت أن الرئيس أوباما الذي يتقن فن إلقاء الخطابات لا يرغب في توظيف ولو جزءا يسيرا من إمكانات بلده لإخراج الأسد من المعادلة. بمعنى أنه وبينما يتحدث الأمريكان كثيرا فإن من يفعل على أرض الواقع الآن هم في الواقع الروس.