11 سبتمبر 2025

تسجيل

تشخيص الداء والدواء

02 أكتوبر 2014

وضع سمو الأمير تميم بن حمد آل ثاني النقاط على الحروف فيما يتعلق بالإرهاب، وقدم أطروحات لابد من أخذها بعين الاعتبار لمواجهة التطورات الكبيرة والمتسارعة والمفصلية في العالم العربي، وإذا كان من البدهيات أن تنحاز قطر إلى الضفة التي تجابه الإرهاب وتتصدى له، وتسمي الأشياء بأسمائها الحقيقية، فإن مصطلح الإرهاب تعتريه حالة من الغموض، ويعاد تعريفه في كل مرة حسب مصالح هذه الدولة أو تلك إلى الدرجة التي أصبح بلا قيمة، الأمر الذي دفع الأمير للتركيز على هذه النقطة بالذات بقوله أمام الأمم المتحدة: "لا توجد حضارة في العصر الحديث إلا وعانت من الإرهاب اليساري أو اليميني أو الديني. ومن الخطأ المميت ربط هذا النوع من العنف السياسي بثقافة أو دين أو قومية بعينها". وفسر ذلك في مقابلة مع شبكة سي إن إن الأمريكية عندما قال:" "في بعض البلدان، تُعتبر أي مجموعة ذات خلفية إسلامية مجموعة إرهابية، ونحن لا نقبل بذلك، كل ذلك مردّه أسباب سياسية.. أعتقد أن بعض البلدان ترتكب خطأ كبيراً إذا ما اعتبرت أي حركة إسلامية تختلف معها في العقيدة، حركة متطرفة. والمتطرفون والمجموعات المتطرفة معروفون جيداً". وكمثال على ذلك أوضح الأمير موقف قطر من جماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس وقال: "فيما يتعلق مثلا بجماعة الإخوان المسلمين وحركة حماس، هناك خلافات مع بعض الشركاء في التحالف حيث سادت حالة من الضبابية في بداية الربيع العربي بالنسبة إلى الجميع وبخاصة في المنطقة لأن التطورات كانت تجري في بلدان مجاورة والجميع خطا خطوات مختلفة في السياسة الخارجية وقد اتبعت قطر السياسة الخارجية الصائبة من منظورها حينها وهي المساعدة والوقوف إلى جانب الشعوب العربية التي تطالب بحريّتها وكرامتها، مشيرا إلى الانتخابات المصرية التي انتخب فيها الشعب حكومتَه، وكان قد انتخب حينها الإخوان المسلمين.. نحن نؤمن بأن حماس هي مكوِّن هام من الشعب الفلسطيني.. لدينا خلافات مع أصدقاء يعتبرونها مجموعة إرهابية، نحن لا نعتبرها كذلك، وقبل 10 سنوات طلب منا الأمريكيون التحدث إلى حماس لحملها على المشاركة في الانتخابات الفلسطينية". ينبغي على العالم، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية أخذ طروحات أمير قطر على محمل الجد، والتوقف عن الخلط المفاهيمي بين الإرهاب والمقاومة ومواجهة الاستبداد والطغيان، وقد عبر الأمير عن ذلك بوضوح بقوله: "تحظى السياسة بعمق شعبي إذا حظيت بمصداقية ، وإذا لم تكل بمكيالين . يجب أن يكون الموقف من استهداف المدنيين بالقتل هو نفسه إذا قامت به دولة استبداد، أو دولة احتلال، أو تنظيم إرهابي. لا يجوز أن يسود انطباع أن المجتمع الدولي يظهر العجز عن مواجهة سياسة قتل مئات الآلاف من المدنيين، ثم يستنفر بسرعة في سياق آخر". ويذهب أبعد من ذلك بتقديم حل لمشكلة الإرهاب: "إن كان للجهود الرامية إلى القضاء على الإرهاب أن تؤتي ثمارها، فلا بد من عودة الدولة إلى دورها كإطار جامع يضمن الأمن والاستقرار من دون أن يصبح مجرد أداة قمع.. فحين تتحول الدولة إلى مجرد أداة قمع وقتل لا تتــرك أي متنفس للكلام والحوار للقوى المدنية السياسيـة، ولا تفسح مجالاً، لا للإصلاح السلمي التدريجي، ولا للثورة المدنية. فثمة أنظمة أصبحت عبارة عن إرهاب شامل منظم يشن حروب إبادة ضد شعبها". لا يمكن الانتصار على الإرهاب دون تعريف من هو الإرهابي، ودون تطبيق نفس المعيار على الجميع، فلا يجوز أن يستبيح العدو الإسرائيلي قطاع غزة ويقتل ويجرح ويشرد الآلاف ويحول غزة إلى ركام دون أن يعتبر ذلك إرهاب دولة وجرائم حرب، ولا يعقل أن يقوم بشار الأسد بقتل 300 ألف سوري وجرح نصف مليون وتشريد 10 ملايين سوري، ويلقي البراميل المتفجرة على رؤوس الأبرياء دون أن يعتبر ذلك إرهابا دمويا وجرائم ضد الإنسانية، ولا يعقل أن يقوم الانقلابيون في مصر بارتكاب أبشع مجزرة دامية في يوم واحد في التاريخ الحديث دون أن يعتبر ذلك إرهابا. لن تنتصر واشنطن على "الإرهابيين" حسب التعريف الأمريكي، طالما تدعم الإرهاب الإسرائيلي وإرهاب حلفائها من الأنظمة الاستبدادية الشمولية، فتعريف الإرهاب والإرهابي والأعمال الإرهابية يجب أن يكون واحداً، وما عدا ذلك فإن ما يسمى "الحرب على الإرهاب ستستمر إلى الأبد"، ولن ينتصر فيها أحد وأفغانستان والصومال واليمن تشهد على ذلك. وهذا ما يوجب على واشنطن أن تستمع لما قاله أمير قطر جيدا لأنه شخّص الداء والدواء.