13 سبتمبر 2025
تسجيلفي تونس ومصر واليمن وليبيا وربما في سوريا اليوم ومنذ التغييرات العميقة التي دخلت على تركيبة أنظمة الحكم في هذه البلدان كانت وما تزال هذه المصطلحات هي الأكثر تداولا في أدبيات ما يعرف بالربيع العربي والأكثر إثارة للجدل بين النخب الجديدة وهي تشكل قضايا مطروحة بقوة على السلطات والمعارضات في لحظات مفصلية حاسمة من تاريخ العرب في مطلع القرن الحادي والعشرين. ويلاحظ قرائي الأكارم أن أصل هذه العبارات واحد وهو شرع (ش ر ع) وفي لسان العرب فإن معنى شرع هو: والشريعة: موضع على شاطئ البحر تشرع فيه الدواب. والشريعة والشرعة: ما سن الله من الدين وأمر به كالصوم والصلاة والحج والزكاة وسائر أعمال البر مشتق من شاطئ البحر ;ومنه قوله تعالى: ثم جعلناك على شريعة من الأمر، وقوله تعالى: لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا قيل في تفسيره: الشرعة الدين، والمنهاج الطريق، وقيل: الشرعة والمنهاج جميعا الطريق، والطريق ههنا الدين، ولكن اللفظ إذا اختلف أتى به بألفاظ يؤكد بها القصة. هذه بعض معاني (شرع) والتي تفرعت عن أصلها عبارات شريعة (وهي في القرآن) وشرعة (كذلك في القرآن) وشرعية وهي مبتكرة منذ القرن التاسع عشر حيث تطور معناها مما هو متعارف في الثقافة الإسلامية من الأمر الملتزم بالشرع فهو شرعي بمفهوم الفقه إلى المعنى المترجم من الفكر السياسي الفرنسي والبريطاني من مصطلح قانوني هو legitime أي ما يستمد سر وجوده من تلاؤمه مع القانون وعدم تعارضه مع الأعراف والتقاليد فيصبح شرعيا كل أمر يتفق الناس على كونه غير مفروض بقوة غاشمة أو مستبد ظالم. ومن هذا المعنى جاءت الديمقراطيات الحديثة بمثل أعلى وقيمة عليا هي الشرعية legitimite فأصبحت الشرعية بمفهوم قبول الدستور(و المواطنين) بها هي المعيار الأول والضروري لأية سلطة تريد فرض أحكامها على الناس. واليوم نرى أن العرب وقعوا في حيص بيص بفقدان بوصلة الحكم الفردي والاستبداد وببطء تعويض ذلك الحكم بنظام ديمقراطي جديد يخرج من بين صلب الشعب وترائبه ليعيد تركيب الحراك السياسي على العدل واحترام حقوق الإنسان وفرض سيادة القانون على الجميع وإعادة الاعتبار للمواطنة كقيمة حقيقية من قيم العصر المعرفي الذي نحياه. نحن العرب إذن في مرحلة خطيرة وهشة مهما حملت من وعود المستقبل لأننا قضينا على ماض معلوم ونريد أن نؤسس لمصير مجهول. ومن هنا جاءت عناصر الجدل في مصر وتونس وليبيا حول معاني الشريعة ومستحقات الشرعية وأدى الاختلاف العميق حولها إلى الاحتكام للشارع أي لما يسميه السياسيون نبض الجماهير وضرورة حسم النزاع عن طريق الضغط على الخصوم بقوة التهديد بالفوضى لأن الشارع مهما كانت نوايا المنادين بسلطة الجماهير طيبة وساذجة فهو في علم الاجتماع تنين رهيب يسهل إطلاقه من قمقمه ولكن يصعب بل يستحيل إعادته للقمقم بالهدوء الذي نتصوره. فكل حراك جماهيري في مصر مثلا (بين رابعة والتحرير...) انتهى بنتائج لا أعتقد أن بديع زعيم الإخوان ولا السيسي قائد الجيش خططا لها كما وقعت بالضبط بل إن منطق الشارع وقع استعماله وتوجيهه نحو إقرار شرعية مبتدعة لم تستقر إلى اليوم ما دام هناك ضحايا يسقطون وما دام هناك رصاص يلعلع. فأين الشرعية التي جاء بها الشارع وأين الشريعة التي يراد تطبيقها ما عدا شريعة الغاب إلى حين؟. إن أمننا في تونس ومصر هو بالضرورة أمن إقليمي مترابط الحلقات لأن لدينا حدودا طويلة مع الشقيقة ليبيا وهي في الواقع ليست حدودا بل هي حلقات تواصل وتعاون وجوار منذ قرون. اللهم سترك ورضاك على أوطاننا يا رب العالمين.