16 سبتمبر 2025
تسجيلعندما أقرأ مقدمة أي كتاب رائع لكاتب عربي أو خليجي أرى توقيع المؤلف في نهاية السطور يتبعه مكان كتابة المقدمة وأغلب الأوقات أجدها بين لندن أو باريس أو أي مدينة غربية في العالم.. عندما زرت المتحف الحديث قبل سنة استمتعت بمشاهدة لوحات لرسامين وفنانين عرب يعكسون صورا مُذهلة عن مُدن يعيشون فيها أو مروا عليها في فترة من حياتهم، ولم أر لوحة تحمل مع توقيع الفنان مدينة عربية.. فالبعض كانوا خليجيين أو من دول عربية ولكن رأيت صورا تعكس البيئة العربية وتحمل توقيع مُدن أجنبية شهيرة بالفن والفنانين.زرت متحف (بيكاسو) في مدينة برشلونة الإسبانية وأدهشني تنظيم المتحف ووجود خزائن أضع فيها ما أحمله من حقيبة أو كاميرا أو معطف شتوي داخله حتى أنتهي من جولتي في المتحف.. بدأت جولتي بين لوحات بيكاسو التي كانت جنونية في بعض الأحيان.. وخارجة عن المألوف في أحيان أُخرى.. المتحف لم يعلق أجمل ما رسم (بيكاسو) بل حتى خربشاته ومسوداته التي لم تكتمل بعد.. وكأن كل شيء يلمسه بيكاسو يزيده قيمة وجمالاً.. كانت تُعلق صور بيكاسو في شبابه وماضيه في أرجاء المتحف.. ولم يتم الاكتفاء بأجمل اللوحات واستنثاء لوحات أخرى غيرها.. تم تخصيص مكتبة كاملة ومتجر للهدايا مليئة بفنون بيكاسو.. ولوحات كبيرة تعلق بالغرف والمنازل والمكاتب عبارة عن نسخ من لوحات بيكاسو.. حتى الأقلام والحقائب والأكواب والدفاتر لم تخلو من اسمه ورسوماته.. وتم تخصيص قسم كامل للوح الرسم والأقلام الخاصة بالفنانين حتى يشتريها من انتهى من جولته في المتحف وأخذ جرعة كافية من الحماس ليبدأ لوحته الأولى.وأيضاً في برشلونة، هناك شخصية مشهورة اسمها (غاودي) وهو مهندس معماري أبدع في تصميم الكثير من المباني البرشلونية.. وأصبح معلما تاريخيا وفنيا وسياحيا في هذه المدينة.. فلا يخل أي متجر للهدايا من أكواب عليها صور مبان أبدع فيها غاودي.. أو تقويمات سنوية يتميز فيها كل شهر بصورة من تصميم المهندس غاودي.. توفي غاودي بعد دهسه بترام في برشلونة ولم يكمل آخر مشروع له وهو عبارة عن كنيسة ضخمة اسمها (سيغارد لافيميليا).. ولكن العاملون على هذه الكنيسة مازالوا يتبعون تصاميم غاودي بدون تغيير.. وحتى متجر الكنيسة لا يخل من ذكريات غاودي.. كم هو رائع الاحترام بعد الموت لشخصية أعطت من وقتها لخدمة مدينتها وأبدعت لجعل مدينتها أجمل بعد وضع لمساتها عليها.الكاتب والمحاضر الرائع إبراهيم الفقي أبدع وأسس شركته الخاصة بعد انتقاله إلى كندا.. حيث أنه بدأ من موظف بسيط في فندق حتى أصبح مديراً لفندق عالمي وبعدها أسس شركته الخاصة بالتنمية الذاتية التي كان يتمناها.. وكتب المؤلف السعودي المفضل لدي عبدالله المغلوث معظم كتبه التي أصبحت الأكثر مبيعاً في المكتبات العربية وهو يدرس في مانشستر..وختمت الكاتبة الجزائرية أحلام مستغانمي رواية ذاكرة الجسد بـ باريس 1988.كيف ستكون ردة فعل الناس عند رؤية شابة تضع لوحات رسوماتها في اسباير وتبدأ بالرسم والإبداع.. وكم شخصاً يسخر من شاب متمعن في قراءة كتاب بين يديه في أحد المقاهي؟ وكم شخصاً يخصص وقته لزيارة متاحف الفنانين أو حضور معارض الكُتاب؟علينا ألا ننكر واقع أن بيئتنا غير مستعدة لإحتواء المُبدعين المحليين.. باعتبارهم هاوين أو مضيعين لأوقاتهم بما أنهم يملكون جوازاً محلياً.. اسم (بيكاسو) يُسمى به كل من يحاول الرسم وكلمة (مسوي مثقف) تُقال لكل من فتح كتاباً أمام الآخرين.. فنرى الورود تذبل بيننا قبل أن يحين موعد قطافها.. يرمي الرسام لوحته.. ويتوقف الكاتب عن مؤلفاته..لأنه واثق أشد الثقة بأن كل مايبدعه هو مضيعة للوقت بالنسبة لمجتمعه.. فنرى المبدعين بيننا ينقسمون إلى مهاجرين إلى دول تتبنى الإبداع.. والقسم الآخر يعودون إلى ممارسة حياتهم الروتينية تاركين أحلامهم وشغفهم..يحزن الفنان العربي والخليجي عندما يرى الأموال تتساقط على لاعبي كرة القدم والرياضيين الذين تتم مكافأتهم بمئات الألوف للأهداف التي يتم تسجيلها في النهائيات.. بالإضافة إلى أحدث السيارات.. والاهتمام الكبير من الدولة والشعب بهؤلاء اللاعبين..بينما الكثير من اللوحات والكُتب والإبداعات اليتيمة تقبع في منازل المبدعين التي لم يتم رفع ستار الإهمال عنها بعد.