13 سبتمبر 2025

تسجيل

ضريبة "بافيت"

02 أكتوبر 2011

التأسيس لمجتمع أعمال ذات طابع إنساني في ظاهرة لافتة للنظر يقترح أحد كبار الأثرياء في العالم ضرورة زيادة الضرائب على الأغنياء في الولايات المتحدة، على اعتبار أن الأثرياء مثله على حد قوله يدفعون غالبا ضرائب أقل من هؤلأ الذين يعملون لديهم بسبب ثغرات في قانون الضرائب الأمريكي وبوسعهم تحمل دفع المزيد، مما شجع إدارة الرئيس أوباما على اقتراح فرض ضريبة بافيت وذلك رغم معارضة الأغلبية الجمهورية المسيطرة على الكونجرس الأمريكي. وهذه ليست أول مبادرة للملياردير "وارن بافيت"، فقد سبق وأن انضم إلى ملياردير آخر هو "بيل غيتس" مؤسسس ومالك شركة "ميكروسوفت" العملاقة للبرمجيات ليعلنا معا عن قيام واحدة من أكبر المؤسسات الخيرية في العالم لتقديم الدعم للمناطق المنكوبة وتوفير الرعاية الصحية والتطعيمات ووسائل التعليم للبلدان الفقيرة، وبالأخص في إفريقيا، مما ساهم في إنقاذ ملايين الأطفال والمحتاجين حول العالم. وفي سبيل ذلك تنازل كل متبرع عن عشرات المليارات من ثروته، فوارن بافيت الذي كان يملك في ذلك الوقت، أي قبل أربع سنوات تقريبا 37.5 مليار دولار، قال إن 1.5 مليار دولار تكفيه وتزيد، حيث خصص عائدات 36 مليارا تحت إدارته للأعمال الخيرية، وكذلك عمل بيل غيتس. وبالإضافة إلى الجوانب الإنسانية الكبيرة لهذا التوجه والذي لقي استحسانا وترحيبا حول العالم، فإن دعوة بافيت الجديدة حول الضرائب تحمل الكثير من المعاني الوطنية والاخلاقية، فالثروة التي جمعها خلال العقود الماضية تراكمت أساسا من داخل وطنه، وبما أن وطنه الآن يمر بمرحلة صعبة وأن اقتصاده معرض للانهيار، فإن من واجبه مد يد المساعدة وتسخير جزء من ثروته للمساهمة في الخروج من الأزمة الطاحنة التي تمر بها الولايات المتحدة، علما بأنه لم يشارك، كما هو حال المجمع المالي المغامر في نشوء الأزمة المالية وأزمة الديون، بل ظل يعمل وبتواضع جم في تطوير ثروته ضمن الأطر والقوانين السائدة في الولايات المتحدة والعالم بشكل عام ومقدما نموذجا للثري المتواضع، فهو يردد دائما من أنه يستطيع شراء أي شيء، إلا أنه لا يشتري إلا الأشياء التي يحتاج إليها، أما كلمته السنوية للعاملين في مؤسساته، وهم بالآلاف، فإنه يكررها سنويا، قائلا "القاعدة الأولى يجب ألا تخسر...القاعدة الثانية يجب أن لا تنسى القاعدة الأولى". وفي نفس الوقت، فإنه يرى أن الملايين من أبناء جلدته يفقدون وظائفهم وينضمون إلى فئة الفقراء المتلقين لإعانات خيرية تعينهم على مواجهة مصاعب الأزمات، حيث تقدم الدولة معظم هذه الإعانات للمحتاجين بفضل الضرائب التي يتم تحصيلها، مما حدا به إلى الدعوة لدعم موارد الدولة للخروج من الأزمة من جهة ودعم الإعانات الاجتماعية من جهة أخرى. وارن بافيت وبيل غيتس يعتبران نموذجا إنسانيا راقيا ليس في مجال الأعمال الخيرية فحسب، وإنما في الشعور بمبدأ الحقوق والواجبات تجاه وطنهم وتجاه الإنسان بشكل عام، بغض النظر عن دينه أو لونه أو عرقه أو انتمائه. والحقيقة، أنه لو أن المجتمع المالي المغامر ورجال الأعمال التزموا بأخلاقيات بافيت وغيتس لما حدثت الأزمة المالية ولما شهد العالم أزمة الديون ولتوفر حد أدنى من العدالة الاجتماعية وليتم القضاء على معظم بؤر الفقر والفاقة في العالم. في المقابل لم يبادر اقران بوفيت/غيتس في بقية أنحاء العالم بالمبادرة في إنقاذ بلدانهم أو المساهمة في حملات الإغاثة الإنسانية، سواء القدماء منهم أو حديثي النعمة الذين ولدوا مع الطفرة المالية العالمية المتولدة عن تضخيم الموجودات بصورة مفتعلة وأمثالهم من كبار إداري ومدراء المؤسسات المالية العالمية، علما أن بعض هذه البلدان، كاليونان معرض لانهيار اقتصادي تام وللخروج من منطقة "اليورو" بل على العكس هناك المئات من الأثرياء اليونانيين المتهربين من الضرائب. لذلك، فإن أحد أهم النتائج التي يمكن أن تتمخض عن توجهات بوفيت/غيتس، هي التأسيس لمجتمع أعمال ذات طابع إنساني يمكن أن يكون موازيا لمجمع الأعمال المغامر الذي يدفع العالم ثمن مغامراته واندفاعه المحموم نحو تعظيم الثروات بصورة مفتعلة ودون أسس علمية أو مهنية. ولتحقيق ذلك، فإنه يمكن لمؤسسة بيل غيتس التي تتولى إدارة التبرعات تأسيس معهد للأعمال تحت مسمى " Bufftet-Gats Business School " على سبيل المثال لتكون أحد أهم المراكز الأكاديمية في العالم التي تعنى بكافة جوانب الدراسات الأكاديمية لقطاع الأعمال والمبنية على أسس علمية وإنسانية للمساهمة في إيجاد مجتمعات مستقبلية لما بعد المجتمعات الحالية التي تسودها الاضطرابات والتلاعب بالقوانين والأنظمة الاقتصادية والمالية. مثل هذا التوجه سيحافظ على المبادئ التي قامت عليها مؤسسة بيل غيتس وسيساهم في تخريج مهنين ومدراء ورجال أعمال قادرين على إدارة الثروات والمساهمة في بناء مستقبل تتوفر فيه بيئة مناسبة لتنمية الأعمال وحد أدنى من الحياة الكريمة للعاملين في الذين تقع على عاتقهم إنتاج احتياجات المجتمع.