13 سبتمبر 2025

تسجيل

هلال ذي الحجة

02 سبتمبر 2016

إن الخالق سبحانه وتعالى خلق الإنسان واستخلفه في الأرض يكد ويعمل فيها سعيا لتعميرها، مما يلزم على الإنسان الاهتمام بالوقت والاستفادة من الزمن حتى لا يضيع عمره هباء منثورا، فلقد وردت في القرآن الكريم عدة آيات يقسم فيها الله تعالى بالزمن ومكوناته، فما من يوم ينشق فجره إلا نادى مناد من قبل الحق: يا ابن آدم أنا خلق جديد وعلى عملك شهيد فتزود مني بعمل صالح فإني لا أعود إلى يوم القيامة، الأمر الذي يشير إلى الأهمية الكبيرة التي أولاها الله سبحانه للزمن ولأجزائه وانه من القضايا المحترمة والمقدسة في الحياة والتي يجب النظر إليها نظرة واعية متفهمة باعتبار أن الله تعالى اتخذها عنوانا يقسم به في بداية الكلام الذي يقرر فيه الله تعالى الحقائق التي يريدها، فالأعمار مقدرة والآجال مقسومة يقول الحق سبحانه وتعالى: "والفجر وليال عشر"، فالحق تبارك وتعالى فرض علينا العبادات ليطهرنا بها ويزكينا فيكون ذلك سببا لسعادة البشر في الدارين، لذا أراد من عباده أن يوجهوا أنظارهم إلى ما هو أهم وأبقى وأنفع وأجدى إلى الادخار الحقيقي الذي يجعل من الدنيا مزرعة للآخرة من خلال مقاييس الربح والخسارة، فإذا كان المقصود الأعظم هو تحقيق التقوى فإن الوصول إلى هذه الغاية السامية له طرق عديدة، وإننا نريد هنا تذكير حجاج بيت الله الحرام بألوان من العبادات التي يمكن أن يمارسوها أثناء تأديتهم لمناسك الحج، فالأمة الإسلامية في هذه الأيام المباركة تقف على أعتاب فريضة الحج العظمى ففي هذه الأوقات الفاضلة الشريفة يقف المسلم يطرق أبواب الرحمات ويغتنم الأيام في التوبة وغفران الذنوب مما يوجب على كل مسلم وفقا لهذه الرحلة المباركة أن يعد عدته ويستجمع قواه ويشد العزائم في رحاب البيت والروضة يتقرب بشتى أنواع الطاعة طوافا وزيارة واستغفارا وتوبة، ومن لم يوفق عليه بالطاعة في هذه الأيام المباركة أيام العشر من ذي الحجة والتي فيها تضاعف الحسنات وتزداد الأجور وتنزل الرحمات من رب السماوات. فإن إقدام المرء على أي أمرِ من الأمور لا بد له من التهيؤ والاستعداد بأن تتحقق النية الخالصة لله سبحانه وتعالى، فما الذي حركك لتنفق الأموال ولتقطع المسافات ولتتحمل المشاق إنك إن فعلت ذلك كله من غير أن يكون في سويداء قلبك التعلق بالله وابتغاء مرضاته وطمعا في رحمته، فاعلم أنك ما صنعت شيئاً غير أنك أرهقت نفسك وأذهبت مالك ثم فقدت أجرك بل ربما رجعت مأزورا غير مأجور، ولتصحيح اتجاهات القلب وضمان تجرده من الأهواء الصغيرة والحرص على ابتغاء الأجر من الله تعالى وأن يقبل الله تعالى عمله ويجازيه به يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم فالمسلم يعتقد اعتقادا جازما أنه ما وجد في هذه الحياة إلا لعبادة ربه، لذا ينبغي على المسلم اغتنام أيامه ولياليه في الإكثار من الطاعة والزيادة من الحسنات، فالعمل الصالح شجرة طيبة تحتاج إلى سقاية ورعاية واهتمام حتى تنمو وتثبت وتؤتي ثمارها، وإن من علامات قبول الحسنة: فعل الحسنة بعدها وهذا من رحمة الله تبارك وتعالى وفضله إنه يكرم عبده إذا فعل حسنة وأخلص فيها لله يفتح له بابا إلى حسنة أخرى ليزيده منه قربا وإن أهم ما يجب علينا الآن أن نتعاهد أعمالنا الصالحة التي كنا نعملها فنحافظ عليها ونزيد عليها شيئا فشيئا للوصول إلى الثبات ولنحافظ على الاستقامة والمداومة على العمل الصالح، فأحب الأعمال إلى الله وإلى رسوله أدومها وإن قل، فليشمر كل عبد مطيع إلى ربه عن ساعديه ويغتنم الأيام المباركة ويكثر فيها من الطاعة ليفرح في يوم تشخص فيه القلوب والأبصار، ولذلك ينبغي أن يكثر في موسم الطاعات وفي موسم تكفير السيئات من الاستغلال والاغتنام الكامل للأوقات وهذا يحصل به الشمول في العبادة فعندما تكون في تلك الأماكن المقدسة وفي هذه الأيام المعظمة والفريضة القائمة ينبغي لك أن تجعل كل لحظة من اللحظات عبادة وطاعةَ لله عز وجل وأن ينشغل اللسان بالذكر والاستغفار وتلاوة القرآن وأن ينشغل القلب بمزيد من الخشية لله عز وجل واستحضار هول المحشر وجمع الناس يوم يقوم الناس لرب العالمين، فإن صلاح النية وإخلاص القلب لرب السماوات والأرض يرتفعان بمنزلة العمل الدنيوي البحت فيجعلانه عبادة متقبلة وإن خبث الطوية وفساد النية يهبطان بالطاعات المحضة فيقلبها معاصي شائنة فلا ينال المرء منها بعد التعب في أدائها إلا الفشل والخسارة بل إن الملذات التي تشتهيها النفس إذا صاحبتها النية الصالحة والهدف النبيل تحولت إلى قربات وطاعات.