14 سبتمبر 2025
تسجيلمع دخول شهر سبتمبر يكون الصومال على موعد مع إجراء انتخابات هي الثانية منذ العام 1991، عندما تمت الإطاحة بنظام الرئيس محمد سياد بري، وهو ما ترتب عليه انزلاق البلاد إلى حرب أهلية ما زالت أثارها مستمرة حتى الآن، رغم بدء بناء الدولة الصومالية الجديدة مع الانتخابات الأولى التي جرت في العام 2012، وأنتجت البرلمان الحالي الذي انتخب الرئيس حسن شيخ محمود. وتترقب الأوساط الإقليمية والدولية هذه الانتخابات لأنها ستعطي المزيد من المؤشرات على أن عملية بناء الدولة الصومالية تسير على الطريق الصحيح، بعد توقف الحرب الأهلية، رغم استمرار العمليات الإرهابية التي يقودها تنظيم "حركة الشباب" الذي يصنف كمنظمة إرهابية، تعمل الحكومة الصومالية جاهدة، مع حلفاءها الإقليميين والدوليين، على مواجهتها. ورغم أنه كان متوقعًا إجراء هذه الانتخابات بنظام التصويت الشعبي المباشر، بعكس الانتخابات السابقة، إلا أن هناك العديد من المعوقات التي حالت دون ذلك، الأمر الذي دفع الحكومة الصومالية لإعلان إجراء الانتخابات بشكل غير مباشر بالاعتماد على المحاصصة القبلية التي ستنتخب البرلمان والذي بدوره سينتخب الرئيس القادم. أبرز هذه المعوقات يتمثل في عدم نجاح الحكومة، التي تولت منذ عام 2012، في إنجاز المهام التي أوكلت إليها، ومنها تشكيل الإدارات الانتقالية، وإعداد الدستور الجديد للاستفتاء عليه وإقراره؛ وإنشاء الأحزاب السياسية، وتسجيل الناخبين والإحصاء السكاني، وإصلاح القضاء وعملية المصالحة الوطنية. فضلًا عن المعوقات اللوجيستية المتمثلة في توفير القدرة المالية والكفاءات البشرية والقوات الأمنية القادرة على إدارة العملية الانتخابية المباشرة. ويقوم النظام الانتخابي الذي ستجرى على أساسه الانتخابات القادمة على قاعدة (4.5) والتي تعني حصول القبائل الأربعة الكبار على حصص متساوية في البرلمان، وتحصل القبيلة الخامسة على نصف حصة. وسيتم بداية إجراء الانتخابات البرلمانية لغرفتي البرلمان الأولى والثانية على مرحلتين. وتتكون الغرفة الأولى (مجلس الأعيان) من 56 عضوًا يتم اختيارهم على أساس الأقاليم الفيدرالية الستة المعترف بها، وهي بونت لاند (شمال شرق) وجوبا لاند (جنوب) وإقليم الجنوب الغربي، وغلمدغ (وسط) وهيران شبيلي (وسط). أما الإقليم السادس فهو إقليم "أرض الصومال" أو صومالي لاند (شمال) الذي أعلن الانفصال عن بقية الصومال تحت اسم "جمهورية أرض الصومال". أما الغرفة الثانية من البرلمان (مجلس الشعب) فتتكون من 275 عضوًا يجري انتخابهم وفقًا لنظام "الأربعة والنصف". حيث هناك دائرة انتخابية لكل قبيلة تتكون من 51 ناخبا ينتخبون نائبا واحدًا في البرلمان. وتبدأ عملية تحديد أعضاء الدوائر الانتخابية القبلية من زعماء العشائر المعترف بهم ويبلغ عددهم 135 زعيم عشيرة، وتشرف عليهم اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، وممثلون عن الاتحاد الإفريقي ومنظمات المجتمع الدولي، ثم يتوجه الناخبون إلى عواصم الأقاليم الفيدرالية لانتخاب النواب، حيث من المقرر أن تعقد هذه الانتخابات في وقت متزامن، وبعدها ينتقل النواب المنتخبون إلى العاصمة مقديشو لأداء اليمين الدستورية ثم انتخاب الرئيس. ويتوقع المتابعون للشأن الصومالي أن يضم البرلمان الصومالي القادم وكذلك الحكومة الاتحادية وجوهًا من التيارات الإسلامية المختلفة، ورجال الأعمال المؤثرين أكثر من أي وقت مضي. وليس مستبعدًا أن يفوز مرشح من التيارات الإسلامية أو مدعوم من قبلها بمعركة الرئاسة التي تتحكم فيها مجموعة من المؤثرات المحلية والإقليمية والدولية. لكن يبقى أنه وبغض النظر عن نتيجة الانتخابات المرتقبة، فإن أي سلطة قادمة في الصومال ستواجه نفس التحديات التي واجهتها الحكومات السابقة، خاصة ما يتعلق بالوضع الأمني، حيث بناء الجيش الوطني لم ينجز بعد، الأمر الذي يحتم الاستمرار في الاعتماد على قوات الاتحاد الإفريقي. إضافة إلى أن "حركة الشباب" رغم خسارتها معظم المناطق التي كانت تحكمها، فإنها لا تزال تشكل تهديدًا أمنيًا واضحًا في العاصمة والمدن الرئيسية في البلاد. كذلك ستستمر الحكومة الجديدة المقبلة في الاعتماد على المعونات الخارجية بشكل أساسي، بسبب غياب مصادر دخل وطنية. وهذه المعونات تتميز بعدم الثبات، فهي ترتفع وتنخفض حسب المزاج السياسي الدولي.