14 سبتمبر 2025

تسجيل

الكاتب القوقلي

02 سبتمبر 2013

الكتابة لغة نصية، عن طريقها تسري الأفكار والآراء والرؤى والمنطق، ناهيك عن كونها توثيقا للتاريخ والمستقبل. والكتابة أداة الكاتب وعصاه السحرية، هي السحر الحلال، الذي يحول الضجيج المتمركز في الذهن، إلى حروف وعبارات، بكل ما تحويه من خيال وصور، ورصانة في التعبير، وجزالة في الصياغة. و لأن كل شيء في أوله فكرة، إذ هي اللبنة الأولى في العالم الإبداعي بشكل عام، وفي عالم الكتابة بشكل خاص، فإنها العتبة الأولى التي تخطو بنا إلى كونٍ بلدانه الجمال، ومدنه التصوير، وأزقته الكلمات. والكاتب عندما يشرع في الكتابة، فإنه يمر بمرحلة عصيبة، ابتداءً من خلق الفكرة إلى ولادة النص الكتابي، وبعث الروح فيه، كنص يصلح للنشر، أيًا كان لونه، كالشعر أو النثر أو المقالة أو الرواية..الخ، وهو ما يسمى بالعملية الإبداعية، وهي مرحلة مضنية في طبيعتها، إذ يعبرها الكاتب بكل أفكاره ومعلوماته وصوره الذهنية، بجميع مراحلها من مرحلة الإعداد أو التحضير، إلى مرحلة الاحتضان أو الاختمار، وصولًا بمرحلة الإشراق أو الإلهام، انتهاءً بمرحلة التحقيق أو إعادة النظر. ولكن المصيبة في من يختصر كل ذلك، في قفزة واحدة، ليتحول في النهاية إلى كاتب! كاتب دون فكرة مختمرة، دون إلهام حقيقي يجرفه ناحية الإبداع، دون مفردة وصورة ذهنية، دون الإحساس بالانتماء أن هذا العمل من إنتاجي ووقتي وجهدي وأعصابي. وقد شاعت مؤخرًا ظاهرة " الكاتب القوقلي " وهي أن يقوم " مدّعي الكتابة " وليس الكاتب، بالاعتماد بشكل كلي على محرك البحث "قوقل" ليس كمرحلة بحث وتحقيق، ولكن كمرحلة صناعة نص عن طريق "القص واللصق "! نصوص كتلك تفتقد الروحين، روح الكاتب وروح الإبداع، إننا نقرأ حينها أعمالًا كالجثث، خافتة المعنى، مشتتة الفكرة، تكاد تنعدم فيها الرؤية لاختلافها وتصادمها، ذاك لأن المصدر قد لا يكون واحدا. إن مثل هذا الإنتاج، لا يمكن أن يقوم على سواعده الأدب، إذ هو في الأساس دخيل على الحياة الأدبية والمجرة الإبداعية. لعل الذائقة قادرة على التفريق بين الغث والسمين، والجمال لا يمكن أن ينطلي على ما هو كاذب وباطل، فالأيام تكشط ما يمر من خلالها، ليتراجع الزيف خائبًا، من على بوابة الأبدية وسرمدية التاريخ. العمل الأصيل هو عمل ثابت، واثق من توثبه إلى القمة في أية لحظة، لا يثنيه عن ذلك سوى المنافسة الشريفة، والمستويات المشابهة أو المتقدمة، ويبقى المزور، — على سبيل المثال "الكاتب القوقلي" — وجودًا غريبًا، يفتقر الثقة في التقدم أمام الحشد الحقيقي، غافلًا من أن الانتماء شطر النجاح، والوجه الآخر للتقدم.