17 سبتمبر 2025

تسجيل

المحروسة وطن من؟

02 سبتمبر 2012

هي وطن من ؟ المحروسة وطن من ؟ هي لك ولي وللجميع , فيها ما يحتوينا ويبعث على اللقاء ويفجر الطاقات ويوقظ الخمود والترهل المتجذر فينا, فلم هذا الغياب للروح الجماعية ؟ ولم هذا الحضور للتشظي والانقسام والرغبة في المضي باتجاه الأوراق المبعثرة ؟. هل شهوة السلطة التي يشترك فيها الكل سواء من يقيم بداخلها أو من يترقب القفز إلى داخل أسوارها ,هي المسؤولة عن تمدد حالة اللامبالاة والنظر فقط تحت الأقدام والركون إلى إثارة المخاوف مما هو قائم وفقدان الأمل في الزمن الآتي وأحيانا التجبر باسم السلطة أو التجبر باسم معارضتها . ليس ثمة من هو بريء , الكل يشترك في مسؤولية إهدار قيمة الثورة وتآكل تجلياتها فغابت عن مفردات الواقع ودخلت منطقة الميتافيزيقا رغم أن الجميع يتحدث باسمها ويتبنى الدفاع عنها سواء بالحق أو بالباطل وبالطبع ثمة كثيرون امتطوا موجتها فباتوا من فرسانها رغم أنهم لا يمتلكون سوى القدرة على الصياح ورفع الشعارات وتسويق أنفسهم في فضائيات انطلقت بالأساس لمحو صورتها وفض بكارة بهائها . كنا في حاجة إلى ثورة تقيلنا من عثراتنا ,تعيد البهجة التي غابت عن قسمات الوجوه ,والتوهج إلى الأرواح الباهتة , والدفء إلى نبض القلوب التي توحشت وقست من فرط القهر والكبت والجوع والتهميش والانزواء والازدراء ,وسطوة عصابة الحكم التي تمددت في كل الأنحاء ,فصار الوطن منجما والدولة أشبه بالعزبة الخاصة والشعب مجرد عبيد ينتظرون الإحسان . كنا في حاجة إلى هذه الثورة فخرج شبابنا ثم ملايين من الشعب الصابر والمثابر والحالم والمسكون بالأشواق الكبرى إلى الحرية والعدالة والكرامة والعيش , بيد أن ما وقع فيما بعد أدخل الثورة في أفق الانقسام والتواري خلف الأهواء الفردية والحزبية والسياسية الضيقة للأسف مصحوبا ذلك بضبابية في المشهد وتخبط في الأداء مع متطلبات المرحلة الانتقالية , مما أدى إلى تراجع ونكوص فتلاشت أهداف الثورة الرئيسية وبقيت مرفوعة في الرؤوس ومآقي العيون وربما الجدران التي ما زالت محملة ببعض من شعاراتها وأحلامها وأشواقها. غير أن ثمة أملا بدأ في فضاء المحروسة مع الدخول في مرحلة الانتخابات الرئاسية, والتي أحدثت انقساما هائلا لدى النخبة السياسية بكل توجهاتها وكاد الأمر يحسم لصالح الثورة المضادة لولا بقية من ضمير لدى اللجنة القضائية المشرفة عليها , فانحازت إلى الأرقام والوقائع الصحيحة وأنقذت الثورة من براثن العودة إلى محددات ورجالات النظام الذي أجبر على الرحيل. منحتنا نتيجة الانتخابات أملا في أن الثورة بدأت التحرك في الاتجاه الصحيح ,بعد أن أفرزت رئيسا مدنيا منتخبا حاصلا على نسبة تزيد قليلا عن الخمسين في المائة وهو ما يعني أنه لم يكن ثمة تزوير أو تشويه أو سرقة لأصوات الناخبين مثلما كان يحدث في زمن مبارك. لقد دخلنا عبر هذه الانتخابات التي جرت وفق قواعد النزاهة والشفافية العالمية إلى خانة الكبار ديمقراطيا الذين يعلون من قيمة صندوق الاقتراع السري ويجعلونه معيارا وحيدا لاختيار من يرأس البلاد ويدير أحوال العباد وتلك واحدة من أهم نتائج ثورة الخامس والعشرين من يناير التي تنهي حقبا امتدت أكثر من أربعين عاما في التزوير والاختيار القائم على عكس إرادة الشعب . ولكن المدهش أن ثمة تيارات عديدة تتعامل مع هذه الحقيقة بنوع من الغبن السياسي - إن جازلي القول - فأخذت تطلق سهامها عليها, تشوه مساراتها وتضفي عليها أنواعا من العتمة .بل وتتظاهر لإسقاطها من الواقع تحت حجة هيمنة تيار واحد على السلطة ,وهو ما لا ينسجم مع القبول بقواعد الديمقراطية التي توافقنا عليها جميعا بعد انبثاق ثورة 25يناير إطارا لاختياراتنا وخارطة طريق تحدد فضاءات العملية السياسية التي نسعى إلى إطلاقها, في وطن ظل مخاصما لها بل ومتعجرفا في تعامله معها. إن الميزة النسبية التي تحققت بإجراء أول انتخابات رئاسية في المحروسة تتمثل في أنها جعلت الشعب هو صاحب القرار في اختيار رئيسه وفي التخلص منه في الآن ذاته , ووفق محددات صندوق الاقتراع السري ,وبالتالي ليس ثمة معضلة مما تطرحه بعد الدوائر الآن التي تواصل بث الفزاعة من جماعة "الإخوان المسلمون" بما يعيد إنتاج نفس الخطاب الذي كان يستخدمه نظام مبارك على نحو يسعى إلى محاولة الترسيخ في الأذهان أن عناصر وكوادر وقيادات هذه الجماعة هم بشر مرعبون وقادرون على التمدد في مفردات الدولة المصرية بهدف الاستحواذ على مقدراتها وتحديد مساراتها بما يتوافق مع توجهاتها, بينما هم في حقيقة الأمر أفراد عاديون من صنف المصريين وليسوا دخلاء عليهم ولهم توجهاتهم التي ينبغي احترامها ولهم مشروعهم في صياغة مسارات الواقع المصري غير أن ذلك لا يتعين أن يخيفنا من قدرات خارقة لديهم للهيمنة على مقدرات الوطن ومكونات الدولة لسبب يتعلق أولا بأن الشعب المصري يمتلك درجة من الوعي بما يمكنه من الفرز بين مشروع للنهوض يخدم الأمة أو يخدم أصحابه ثانيا هذا الشعب هو الذي اختار الرئيس الذي ينتمي إلى الجماعة ومن قبل اختار النواب الذين ينتمون إليها في الانتخابات البرلمانية التي جرت وفق قواعد النزاهة والشفافية غير أن مجلس الشعب الذي أفرزته تعرض للإجهاض لأسباب تتصل بصراع الإرادات الذي كان قائما قبل قرارات الرئيس محمد مرسي بتغيير القيادة العسكرية التي كانت – شئنا أم أبينا – مهيمنة على المشهد والقرار في آن. قد أتفهم مخاوف وهواجس بعض القوى مما يجري الآن في المحروسة , بيد أن الأمر لا يصل إلى حد الخوف على الأمة من تعرضها لمحاولة الاستحواذ أو الهيمنة من قبل جماعة الإخوان المسلمون فهذا من الصعوبة بمكان لأن التدين متجذر في تكوين الشعب المصري والذي يمتلك في الوقت نفسه القدرة على امتصاص أي أفكار أو أيديولوجيات وتجييرها لصالحه ولا يسمح لها مهما كانت بالتجبر وامتلاك السطوة عليه وأظن أن سلوك المصريين في العقود الثلاثة الأخيرة ,هو الذي فرض على جماعة الإخوان المسلمين البقاء في منطقة الوسطية والاعتدال من حيث الخطاب الديني وهو ما ميزها عن الجماعات التي ربما انبثقت عنها في سبعينيات وثمانينيات القرن الفائت ,ودفعها إلى الدخول في دائرة العمل المجتمعي ومقاربة أحوال الناس والإسهام في تخفيف معضلاتهم اليومية على نحو وسع من مصداقيتهم, بينما القوى الأخرى بما فيها اليسار بأشكاله المختلفة والليبراليون بمختلف اتجاهاتهم ,ظلوا قابعين في مكاتبهم بالعاصمة ويثرثرون عبر وسائط الإعلام دون أن تكون لهم مقاربات واقعية تتماس مع مشاكل الناس. ومع ذلك لا أتورع - وقد قلت ذلك مبكرا عندما رحبت بصعود الإسلام السياسي إلى صدارة المشهد في المحروسة ليس من منطلق أيديولوجى فأنا أنتمي لفكر ثورة الثالث والعشرين من يوليو وإن كنت لا أرتبط تنظيميا بأي حزب يعبر عنها - عن مطالبة الرئيس مرسي بفك ارتباطه بجماعة الإخوان المسلمين على الصعيد التنظيمي بما لا يجعلها - على أي مستوى فيها سواء مكتب الإرشاد أو مجلس الشورى - مرجعية لقراراته وتوجهاته , وعليه أن يعلن في خطاب عام للأمة ذلك ,وفي الوقت نفسه فإن قيادات الجماعة وذراعها السياسية: حزب الحرية والعدالة مطالبون بأن ينأوا بأنفسهم عن الرئيس خاصة أن ثمة من يزعم في جلساته الخاصة أنه قريب منه ويستمع إليه بل ويأخذ بنصيحته وهنا أنصح بوجه خاص بضرورة النأي بشخصية الرجل الذي يوصف بأنه القوي في الجماعة - المهندس خيرت الشاطر عن أي ارتباط بمؤسسة الرئاسة - خاصة أن مرسي انتهى قبل أيام من تشكيل فريقه الرئاسي المعاون وهيئة المستشارين ومن ثم فهو ليس في حاجة إلى نصائح ومقاربات من داخل الجماعة التي قد تضر دون أن تفيد. وأظنه – أي الرئيس – لم يعد في حاجة إلى أحد من داخل الجماعة أو غيرها فهو لديه من يعضده بالرؤية والاستشارة والتي أتمنى أن تكون صادقة وبعيدة عن الهوى والأجندات الخاصة السطر الأخير: أنتمي إليك يسكنني بهاؤك في عينيك أقيم حقول عشقي أيا صانعة شعري أتمدد بسواحلك تمنحينني صيرورة الكتابة