12 سبتمبر 2025
تسجيلإذا كنت تعيش في قطر فأعلم انه ليس من حسن الأدب أن تشرب أكثر من فنجانين من الشاي أو القهوة عندما تكون ضيفا على قطري، وأنا أعيش في قطر منذ عصر ما قبل "الدفنة"، والدائري الثالث (يا حليل دوار السينما، والآخر المجنون وما هو بمجنون، والدوار الذي كاد يسبب لي الجنون - مدماك) ورغم هذا ما عندي خبر، عن موضوع الحد الأقصى المسموح به للضيف من أكواب الشاي. يا عيب الشوم. أنا أصلا لا أشرب القهوة عربية كانت أم فيتنامية، ولا أتعاطى القهوة اسبريسو وكابوتشينو وبرطوشينو. أي رشفة قهوة وأصاب بالأرق لأربع وعشرين ساعة. ولكنني مدمن شاي، ودخلت بيوت عشرات القطريين، ووضعوا أباريق الشاي أمامي، وشربت منها مثنى وثلاث وخماس، ولم ألمس أي ضيق في وجوههم. هل كانوا صابرين عليّ وفوتوها كذا مرة؟ طبعا لا، فهم بالعكس يرغمونك على شرب سوائل الكيف الساخنة حتى تحتار "أفتك منهم كيف؟" ولكن ما قيمة شهادتي وإفادتي أمام شهادة إدارة المخابرات في وزارة الدفاع البريطانية؟ فقد عثرت على نسخة من دليل يستهدف الجنود البريطانيين العاملين" (والذين سيعملون قريبا!!) في الشرق الأدنى، مكتوب على غلافه "فقط للاستخدام الرسمي"، حول كيفية التعامل مع ثلاث مجموعات بشرية: العراقيين، والأفغان، والعرب. لاحظ أن العراقيين هنا شريحة منفصلة عن العرب، وهذه معلومة كانت غائبة عني، وإلا لهاجمت صدام حسين والبعثيين، الذين كان شعارهم "أمة عربية واحدة ذات رسالة خالدة"، وأقول لهم: أنتم تعرفون أنفسكم أفضل من الإنجليز؟ هم قالوا إنكم كوم والعرب كوم آخر، فلا تزعموا أنكم عرب (وربما لهذا تحمست بريطانيا لاستئصال حكم البعثيين في العراق، ليخلفه حكم "العبثيين"). والكتاب معزز بالرسوم الإيضاحية، ومنها واحدة لشخص بالغترة والعقال يضع يده على صدره، ويقول الكتاب إن علامة الضيق عند العرب أن يضع الواحد منهم كفه المفتوحة على صدره، وأن معنى تلك "الحركة": خلاص .... حل عن سماي .. مش/مو ناقصك. وللمرة الثانية "طلع أبو الجعافر جاهل"، فقد عاش معظم سنوات عمره وسط العربـ وكان يعتقد أن الأشخاص الذين يصافحونه ثم يضعون أيديهم على صدورهم، يقصدون أنهم يضعونه في قلوبهم. "أتاريهم" كانوا يمتعضون مني، ويضعون أكفهم على صدورهم عدة مرات للتعبير عن ضيقهم بي (في أول عهدي بالخليج كنت إذا طلبت أمرا من خليجي وقال لي: ع الخشم، ثم لمس أنفه أحسب انه يتعمد الاستخفاف بي وبطلبي). ويقدم الاستخباراتيون البريطانيون العسكريون لنا المزيد عن المعلومات عن أشياء كنا نجهلها عن بعضنا البعض، فمثلا من العيب والعار أن تسأل عربيا عن حال أمه أو بنته أو زوجته أو أخته المريضة، وأنا زي العبيط ظللت أسال أصدقائي القطريين عن أحوال أفراد عائلاتهم من الجنسين، بل – ويا للوقاحة – إذا عرفت أن أحدهم رزق بطفلة أسأله عن اسمها وحالها وحال "أمها"!! تخيل!! ولكن ما ذنبي ولم أكن أعلم وقتها فحوى كتيب وزارة الدفاع البريطانية. ويقول الكتاب انه إذا وضع العربي إصبعيه السبابة على جانبي وجهه قريبا من العينين فإنه يقصد بذلك إنه يوافق على ما تقول، أما إذا خفض يديه وكفاه مفتوحتان فمعناه أنه يعتبر ما تقوله "مقبولا جدا". وحسب الكتاب فإن رفع الإصبع الإبهام كإشارة استحسان، بمعنى أن كل شيء على ما يرام "أوكي.. مضبوط.. تمام التمام". هذه تعتبر قلة أدب عند العرب. وهذه فيما أعلم لغة إشارة عالمية مثل علامة النصر برفع الإصبعين السبابة والوسطى (V).. ولكن البريطانيين يعرفون عنا ما لا نعرفه عن أنفسنا . ولو – بدلا من الكلام الفارغ الذي نشروه في الكتاب – تركوا العرب في حالهم وحلوا عن سماهم، لما اضطروا إلى تزويد جنودهم بنصائح سخيفة جمعها مستعربون أغبياء.