15 سبتمبر 2025

تسجيل

فوائد النار

02 أغسطس 2013

ربما لا يبدو عنوان المقالة محفزاً لقراءتها، إذ لا تخفى فوائد النار على أحد، ولو سألنا عنها تلميذاً في المرحلة الابتدائية، لعددها لنا وما أخطأ في ذكرها، من حيث ما ينتفع بها، ويحتاج إليها في الطهي، والإضاءة، والتدفئة وغيرها من المنافع، فإذن هي فوائد يعرفها الجميع، ولكن ثمة فائدة للنار لا أظن الكثير قد يفطن إليها، وهي أنها تذكر بنار جهنم، وهذا ما يستفاد من قوله تعالى: (نحن جعلناها تذكرة ومتاعاً للمقوين). الله سبحانه وتعالى في هذه الآية الكريمة، يمن على عباده، بتسخيره النار لهم، كي ينتفعوا بها، فقد قال عليه الصلاة والسلام: (إن ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم ، قالوا يا رسول الله إن كانت لكافية – إي وربي، ويدل قولهم هذا على خشيتِهم الشديدة من النار– قال: إنها قد ضربت بالبحر مرتين، حتى يستنفع بها بنو آدم ويدنوا منها، ولولا ذلك ما جعل الله فيها منفعة لأحد). ومعنى المقوين في الآية على قول أكثر المفسرين، هم المسافرون، من الفعل أقوى، إذا نزل بالقواء، أي القفر الخالي، كقولهم أصحر، إذا دخل الصحراء، وسبب اختصاص المسافرين بالذكر، مع أن النار يحتاج إليها المسافر والمقيم، والحاضر والبادي، على حد سواء، بينه عدد من المفسرين، وهو أن أصحاب الأسفار، أحوج من غيرهم إلى النار، ومنفعتهم بها أكبر من منفعة سواهم، إذ أنهم يوقدونها ليلا لتهرب منهم السباع، ويسترشد بها الطريق، ويهتدي بها الضلال، وغير هذا. ذكر ابن قيم الجوزية رحمه الله تعليلاً ظريفاً غير ذلك، مفاده أن الله خص المقوين بالذكر تنبيهاً لعباده – والله أعلم بمراده من كلامه – على أنهم مسافرون، ليسوا مقيمين ولا مستوطنين، وأنهم عابرو سبيل، ونعم هذا القول، فالإنسان منذ ولد، وهو مسافر إلى ربه، كل يوم يمضي من عمره، يدنيه من قبره. وفي تقديم الله تعالى، كونها تذكرة على كونها متاعاً، عبرة وعظة، لأولي الألباب والأبصار، ترشد إلى أن فائدتها في التذكير بنار جهنم، أهم وأعظم وأبقى للمرء في معاده، إن ذكرته باجتناب ما يؤدي إليها، والتزام حدود الله، وحقيقة ألا يغفل وينشغل عنها بمنافع معاشه. اللهم أعذنا وأجرنا وحرمنا على النار، اللهم اعتق رقابنا ورقاب عبادك الموحدين من النار، يا تواب يا غفار، يا رحمن يا منان، يا ذا الجلال والإكرام.