16 سبتمبر 2025

تسجيل

حلمي سالم.. الشاعر الذي أحببته

02 أغسطس 2012

تلقيت نبأ رحيله عن عالمنا دون أن أنطق كلمة أو أذرف دمعة، فقد داهمني شرود مفاجئ، فقدت الكلمات فيه معانيها، ولم تعد الدموع- إذا انهمرت- قادرة على أن تخفف البلوى أو أن تمنح السلوى... ها هو حلمي سالم يستسلم أخيرا – يوم السبت 28 يوليو 2012 - للطارق الفجائي المجهول الذي يمضي به إلى الديار التي لم يعد من الذاهبين إليها أحد. كم من مرة، استطاع خلالها حلمي سالم أن يواجه المرض وأن ينتصر عليه على امتداد السنوات الأخيرة التي سبقت هذا الرحيل النهائي عن عالمنا، كم من مرة كان ينهض متجددا وعاشقا للحياة بكل تجلياتها وبكل ما فيها ومن فيها، لكنه هذه المرة لم ينهض ولم يركض على طرقاتها المتشعبة والمتنوعة الاتجاهات. عرفت حلمي سالم قبل أن يكمل العشرين من عمره، وكنت- وقتها - طالبا بالدراسات العليا بقسم اللغة العربية – آداب القاهرة، أما هو فكان طالبا بقسم الصحافة والإعلام بنفس الكلية وحصل على ليسانس الصحافة سنة 1974 وفي نفس تلك السنة، قبل تخرجه، أصدر ديوانه الأول الذي سماه حبيبتي مزروعة في دماء الأرض، وكم كانت فرحته وفرحتنا كبيرة بميلاد هذا المولود البكر، وكان من أصدقائه وزملائه وقتها عدد ممن أصبحوا شعراء وأدباء وإعلاميين، منهم رفعت سلام وأحمد السيد حسن ومحمد الشبة وأماني الفقي ومحمد فراج أبو النور، وقد عرفت هؤلاء جميعا وارتبطت بصداقات عميقة معهم أو مع معظمهم، خلال مرحلة المظاهرات الطلابية المناوئة لأنور السادات، قبل حرب أكتوبر 1973 المجيدة، فقد كانت تلك المظاهرات تطالب بالخروج من حالة اللاسلم واللاحرب التي كانت سائدة في ذلك الزمان، والحق أني لا أستطيع تذكر تلك المظاهرات دون أن أتذكر رائعة أمل دنقل – الكعكة الحجرية، ففيها تصوير فني دقيق لأجواء تلك المظاهرات في ميدان التحرير وهو نفس الميدان الذي شهد ما شهد ابتداء من يوم 25 يناير 2011، وهو أمر يؤكد أن الشباب هم دائما وقود الثورات ضد الغزاة والطغاة على حد سواء، والشاهد على ما أقول هو تاريخ ميدان التحرير معهم رغم تعاقب أجيالهم، وتاريخ كل منهم كذلك مع هذا الميدان الذي لم يعد شهيرا في مصر وحدها، وإنما في سائر أرجاء العالم، رغم كل ما جرى له من تشويه على أيدي البلطجية وراكبي موجات الثورات وسواهم من المتلونين والحربائيين! حلمي سالم شاعر أصيل من الجيل الذي يسمى جيل السبعينيات، وما يميزه – في تقديري – أنه إنسان نبيل وجميل إلى جانب أنه شاعر أصيل، فقد ظل حريصا على تواصل الأجيال، وتشهد على ما أقول كتاباته الرائعة عن الناقد الكبير الدكتور عبد القادر القط، ومحبته الآسرة لكل من الشاعر العظيم صلاح عبد الصبور والناقد الكبير رجاء النقاش، وحتى الآن لا يزال صوت حلمي سالم يرن في أذني ليطربني ويبهجني وهو يلقي قصيدة أحلام الفارس القديم لصلاح عبد الصبور، وهي القصيدة التي كان يحفظها عن ظهر قلب منذ أن كان طالبا جامعيا، وظل يحرص على إلقائها – بأداء رائع – في كل المناسبات التي تتعلق باستعادة صلاح عبد الصبور. كثيرون كتبوا أو يكتبون أو سيكتبون عن حلمي سالم – الشاعر، لكن من لم يعرفوه – على المستوى الإنساني – لن يستطيعوا الكتابة عن حلمي سالم – الإنسان النبيل والجميل الذي كان عف اللسان وشريف المقصد والتوجه، وكان يغني للحب وللحرية بكل ما أوتي من صدق ومن محبة للحياة، وها أنا أكتب عنه دون أن تستطيع الدموع أن تخفف البلوى أو أن تمنح السلوى.