10 سبتمبر 2025

تسجيل

الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني

02 يوليو 2024

سيدخل الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، وهو أحد مجالات العمل المستجدة، والتي ستلقي بظلالها على أجهزة العدالة مما يتطلب البحث والدراسة والاستخلاص في هذا المجال، وهو ما دفعني الفضول للبحث بمعرفة أكثر عنه، وارتأيت أن اطرح الموضوع من وجهة نظري العملية في المجال القانوني. وهذا ما يستدعي التساؤل عن الذكاء الاصطناعي، ومستقبل العمل في إطاره، ودور الفاعلين القضائيين ورجال القانون في حوكمة الذكاء الاصطناعي؟. الذكاء الاصطناعي أو الذكاء الصناعي ‏هو سلوك وخصائص معينة تتسم بها البرامج الحاسوبية، تجعلها تحاكي القدرات الذهنية البشرية وأنماط عملها، من أهم هذه الخصائص القدرة على التعلم والاستنتاج ورد الفعل على أوضاع لم تبرمج في الآلة، تقنية تحاكي الذكاء البشري على أداء المهام ويمكنه بشكل متكرر تحسين نفسه استنادا إلى المعلومات التي يجمعها، وهذا التعريف جدلي نظرًا لعدم وجود تعريف محدد له. وقد وصل الذكاء الاصطناعي إلى الصناعة القانونية في دول العالم المتقدم وهو بلا شك قادم لا محالة إلى دولنا العربية وسيعمل الذكاء الاصطناعي على توفير الوقت بشكل عام والتخلص من أكوام الأعمال الورقية التي يتعين على المتخصصين القانونيين الغوص فيها كل يوم. الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، هو أحد مجالات العمل التي تتضمن أكبر قدر من المهام المتكررة التي تستغرق وقتًا طويلاً لمعالجتها. الوقت هو أحد الأصول الأكثر قيمة للقانونيين، ومن الضروري استخدامه بحكمة. ويقضي المتخصصون القانونيون الكثير من الوقت في القيام بالمهام الإدارية مثل صياغة الاقتراحات، والمكالمات الهاتفية، وإجراءات مراجعة المصاريف القانونية للدعاوى، ومراجعة المستندات، وما إلى ذلك. والأمر لا يسير بسهولة على الإطلاق، فالقانون صارم تمامًا في إطاره الرسمي، لذا فإن فكرة إسناد العمل القانوني بالكامل إلى الكمبيوتر تثير القلق بشأن سؤال يطرح هنا يتعلق بآثار الذكاء الاصطناعي على حقوق الإنسان والمراقبة والمسؤولية والقرارات الدقيقة سواء المتعلقة بالأمن والمسؤولية الجنائية أو أوقات الحرب أو مسائل قانونية مهمة ومصيرية، وبالإضافة إلى ذلك، قد تستخدم النظم القضائية أيضا نظم الذكاء الاصطناعي في عمليات اتخاذ القرارات القضائية التي أثارت شواغل تتعلق بالإنصاف والمساءلة والشفافية في اتخاذ القرارات بواسطة نظم آلية أو نظم تعتمد على الذكاء الاصطناعي. ويجري بالفعل استكشاف إمكانات منظمة العفو الدولية من خلال العديد من النظم القضائية التي تشمل الجهاز القضائي ودوائر الادعاء وغيرهما من الهيئات القضائية الخاصة بمجالات محددة، في جميع أنحاء العالم، في ميدان العدالة الجنائية، وتوفير المساعدة في مجال التحقيق، وأتمتة/وتيسير عمليات صنع القرار. ومع ذلك، فإن استخدام الذكاء الاصطناعي يطرح مجموعة واسعة من التحديات التي يجب التصدي لها: من الاعتراف بالنمط، إلى الأخلاقيات، والقرارات المتحيزة التي تتخذها الخوارزميات المستندة إلى الذكاء الاصطناعي، والشفافية والمساءلة. على سبيل المثال، قد يتم تدريب خوارزميات التعلم الذاتي بواسطة مجموعات بيانات معينة (القرارات السابقة أو صور الوجه أو قواعد بيانات الفيديو، إلخ) التي قد تحتوي على بيانات متحيزة يمكن استخدامها من قبل التطبيقات لأغراض تتعلق بالسلامة الجنائية أو العامة، مما يؤدي إلى اتخاذ قرارات متحيزة. ومثل الذكاء الاصطناعي في أي مجال آخر، سيركز الذكاء الاصطناعي في القانون على مجموعة متنوعة من الميزات، وهي ميزات يجب مراعاتها عند اختيار مساعدك القانوني المعتمد على الذكاء الاصطناعي، فعن طريق تبسيط المهام المتكررة، يمكن للقانونيين إعادة توجيه وقتهم نحو تأثيرات ذات قيمة أعلى مثل الإبداع القانوني. وسواء كنت تشارك في أي ممارسة قانونية، أو تعمل في مكاتب المحاماة أو ربما تريد ببساطة مقاضاة شخص ما، يمكن أن تساعد برامج الذكاء الاصطناعي القانونية في تسهيل هذه الأمور. وسوف يعمل الذكاء الاصطناعي التوليدي للشؤون القانونية على الحصول على نظرة أعمق حول كيفية استخدام برامج الذكاء الاصطناعي في المجال القانوني، ومن ذلك صياغة المستندات التي يقوم برنامج الذكاء الاصطناعي القانوني بصياغتها في غضون دقائق، وسوف يتم تحسين إدارة المستندات القانونية المعقدة مثل القوانين واللوائح، وسجلات المحكمة من خلال المكتبات الإلكترونية، ودراسات حالة، ومصادر أخرى، للمعلومات القانونية، والتحليلات. وسيوفر الذكاء الاصطناعي، الاطلاع على تحليلات البيانات القانونية ذات الصلة. والذي سوف يعمل على تحسين الاستراتيجيات من خلال الرؤى المستندة إلى البيانات في البيئات القانونية والمهنيين مثل المحاكم وشركات المحاماة مما يساعد القضاة والمحامين على دراسات الحالة عبر مجالات الممارسة القانونية المختلفة. فلم يعد هناك داع للانتظار لفترة طويلة، باستخدام أساليب علم البيانات التقليدية لجمع المعلومات الأساسية، البحث القانوني يستغرق وقتًا طويلاً إذا لم يكن لدى مكاتب المحاماة خبير متخصص في المجال الذي يتعين عليهم إجراء بحث قانوني فيه. والبحث القانوني ضروري لأي نوع من القضايا تقريبًا وهو أمر بالغ الأهمية لتحريك العملية القانونية في معظم الأوقات. ومن خلال البحث القانوني الآلي، يمكن للمحامين جمع المعلومات في بضع دقائق وطرح الأسئلة ذات الصلة بالقضية. وكذلك توفر بعض برامج الذكاء الاصطناعي القانونية ميزات مراجعة المستندات، أتمتة مراجعة العقود. يؤدي هذا إلى القضاء على أي خطأ قد لا تلاحظه العين البشرية في المستندات وتعزيز المطالبات من خلال توفير الاستشهادات القانونية ذات الصلة. وهناك مبادئ معينة تحكم الرقابة الأخلاقية للذكاء الاصطناعي، أهمها أن يتسم الذكاء الاصطناعي بالشفافية حيث يجب أن يكون خاضعا للتحكم المطلق للبشر، وتكون الأحكام والتطبيقات سليمة. ولأن الذكاء الاصطناعي لديه القدرة على اتخاذ قرارات مفاجئة، يجب أن تكون القرارات التي تتخذها الخوارزميات في متناول البشر وعدم إهمال العنصر البشري من منطلق قانوني وأخلاقي. وعليه يجب على الذكاء الاصطناعي إجراء مسح لقاعدة البيانات على نطاق واسع وفقا لأهمية القضايا التي تتم معالجتها. إن قرارات المحكمة التي تتخذها الخوارزميات يجب أن تكون قابلة للتدقيق بواسطة الذكاء البشري، وحالة القصور التشريعي الحقيقي لفقدان النص يفترض تنظيمها لأنها من أكثر الأسباب التي تولد فجوة بين مصالح أفراد المجتمع والقانون، لأن الأخير ثابت والمجتمع متغير، وقد أطلق الشراح والباحثون على هذه الصورة من صور القصور تسميات متباينة منها (سكوت القانون، الفراغ في القانون، النقص في القانون، القصور في القانون، القصور في التشريع) ويتمثل بـ (عدم عثور القاضي الإداري على حُكم في نصوص التشريع يتناول النزاع المعروض أمامه والحاصل بين الإدارة وأحد الأفراد أو موظفيها) ففي هذه الحالة يستطيع القاضي الانطلاق من أي نقطة في استدلاله لما تستدعيه الحاجة إلى إنشاء قاعدة قانونية كاملة وإلا يستحيل عليه إصدار الحكم المطالب به في الدعوى، لذلك يُلاحظ بأن اختصاصات القاضي تتسع كثيراً في هذه الصورة من القصور الحقيقي الذي لا ينسب إليه كما في صورته الأخرى، إذ يصل إلى حد إنشاء القواعد القانونية وذلك لعدم قدرته على الامتناع عن إصدار الحكم في الدعوى التي يختص بالفصل فيها وإلا عُد منكراً للعدالة ( لا يجوز لأية محكمة أن تمتنع عن الحكم بحجة غموض القانون أو فقدان النص أو نقصه وإلا عُد القاضي ممتنعاً عن إحقاق الحق، ويعد أيضاً التأخير غير المشروع عن إصدار الحكم امتناعاً عن إحقاق الحق، وكذلك في السلطة التقديرية للقاضي الجنائي». وروح القانون يستخدمها القاضي لتخفيف العقوبة، أو النزول بها إلى حدها الأدنى، أو إيقافها حسبما يقتضيه القانون، بالنظر إلى ظروف المتهم والظروف المحيطة بالجريمة، وما إذا كانت هناك أسباب مرضية أو دوافع خاصة أدت إلى حدوث الفعل الإجرامي. وكذلك سلطة القاضي بتفسير النصوص الغامضة إذا وجد قصورا تشريعيا في النص لابد من الحكم بروح القانون وهي القشة التي يبحث عنها الغريق في لحظة أمل. إن إدراج الذكاء الاصطناعي في النظام القضائي يساعد في جعل العقوبات أكثر اتساقا وفاعلية من حيث الكلفة المالية للقضايا المتراكمة وتسريع الإجراءات القضائية وأتمتة الروتين والمساعدة في اتخاذ القرارات في الإجراءات القانونية الروتينية، بما في ذلك رفع القضايا المتكررة البسيطة. ومعالجتها، ولكن علينا أن لا نهمل الذكاء البشري ودوره في التحكم بالذكاء الاصطناعي لتعزيز العدالة الناجزة أمام القضاء، وهذا يتطلب تأهيل الكوادر البشرية والمالية والتقنية في دولة قطر، وفرض رقابة على مستخدمي الذكاء الاصطناعي، ووجود مساعدين قانونيين معززين بالذكاء الاصطناعي لمنع توليد معلومات غير صحيحة وحاجة المستخدمين إلى تطبيق التفسير القانوني الصحيح. ومن هنا نستخلص ضرورة التأني وعدم الإسراع بفرض الذكاء الاصطناعي على الرغم انه من الضروري مواكبة كل ما هو جديد، ولكن بخطوات سليمة ومدروسة، ومحاولة الاستفادة من تجارب الدول الأخرى لأخذ ما هو مفيد وسليم.