13 سبتمبر 2025

تسجيل

أطيب المجالس

02 يوليو 2015

إن أيام رمضان أيام مباركة ولياليه أفضل الليالي تحيا فيها القلوب وتطهر فيها الألسنة وتعيش الأنفس أطيب المجالس، فمجالس الذكر هي خيرها وأزكاها وأطهرها وأشرفها وأعلاها قدرا وأجلها مكانة عند الله، فهي حياة القلوب ونماء الإيمان وزكاء النفس وسبيل السعادة والفلاح في الدنيا والآخرة ومجالس الذكر سبب عظيم من أسباب حفظ اللسان وصونه عن الغيبة والنميمة والكذب والفحش والسخرية والباطل، فإن العبد لابد له من أن يتكلم وما خلق اللسان إلا للكلام، فإن لم يتكلم بذكر الله تعالى وذكر أوامره بالخير والفائدة، تكلم بهذه المحرمات أو ببعضها، فمن عود لسانه على ذكر الله صان لسانه عن الباطل واللغو، ومن يبس لسانه عن ذكر الله نطق بكل باطل ولغو وفحش، فأيام شهر رمضان ولياليه أيام طيبة مباركة تتنزل فيها الرحمات فيزداد المؤمن قربا من الله بالقول الحسن والعمل الصالح، ما يستوجب على المسلم أن يكون مؤمنا بالله حق الإيمان وثيق الصلة به دائم الذكر له والتوكل عليه، يستمد منه العون يقول الحق سبحانه وتعالى وهو أصدق القائلين: (يا أيها الذين آمنوا اذكروا الله ذكرا كثيرا وسبحوه بكرة وأصيلا) الأحزاب 41-42، فصيام العبد الصالح يجعله يذكر ربه في كل وقت ويراه في كل شيء فيزداد قربا من الله تعالى، وليست حقيقة الذكر باللسان فقط، بل لا بد أنه ينشأ أولا في الشعور والوجدان ثم يفيض على اللسان مناجاة وتسبيحا وتحميدا وتنزيها وحينئذ يكون المسلم من الذاكرين لله حقا الذين أعد لهم مغفرة وأجرا عظيما، والمسلم الذي يذكر ربه يذكره ربه كما يقول الله عز وجل في الحديث القدسي: (أنا عند ظن عبدي بي وأنا معه حين يذكرني فإن ذكرني في نفسه ذكرته في نفسي وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه) رواه البخاري.فما أعظم هذا الذي يذكره ربه في رمضان فيقبل عمله ويوفقه للخير ويرعاه وإذا سأله استجاب دعائه، ومن هنا يجب على الإنسان المؤمن أن يذكر ربه بلسانه ويناجيه بقلبه لأن الذكر حياة للقلب ونور له والغفلة عنه موت وظلام، أما الذي يغفل عن ربه وذكره فهذا ينسى حقيقة الوجود ولهذا لا ينبغي للمسلم أن ينسى ربه أو يغفل عنه وإلا فماذا يذكر إن نسي ربه يقول الله سبحانه وتعالى: (ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا) الكهف: 28، ومما ينبغي للمسلم أن يتفطن له في هذا المقام أن ذكر الله تعالى لا يختص بالمجالس التي يذكر فيها اسم الله بالتسبيح والتكبير ونحوه بل تشمل ما ذكر فيه أمر الله ونهيه وحلاله وحرامه وما يحبه و يرضاه، بل إنه ربما كان هذا الذكر أنفع من ذلك لأن معرفة الحلال والحرام واجبة في الجملة على كل مسلم بحسب ما يتعلق به من ذلك، وأما ذكر الله باللسان فأكثره يكون تطوعا وقد يكون واجبا كالذكر في الصلوات المكتوبة، وأما معرفة ما أمر الله به وما يحبه ويرضاه وما يكرهه فيجب على كل من احتاج إلى شيء من ذلك أن يتعلمه، ومن هنا كان لزاما على المسلم أن يعتني بروحه، فيقبل على صقلها بالعبادة والمراقبة لله عز وجل آناء الليل وأطراف النهار، بحيث يبقى يقظا متنبها متقيا أحابيل الشيطان الماكرة ووسوسته المردية، فإذا مسه طائف من الشيطان في لحظة من لحظات الضعف البشري تذكر فإذا هو مبصر يحفظه ربه ويكتب له الدرجات الرفيعة ،فقد خلق الله الإنسان وجمله وحسنه وفي أحسن صورة ما شاء ركبه وجعل له الجوارح مذللة ميسرة، فهنيئا لعبد وظف الجوارح في الطاعة والقرب من الله فيفوز بعظيم الجنان في يوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فإن من أعظم الذكر وأجله تلاوة القرآن الكريم، وخاصة في هذه الأيام المباركة أيام رمضان الحسنة بعشر أمثالها وتضاعف إلى سبعمائة ضعف، ولهذا كان الرسول صلى الله عليه وسلم يقول لأصحابه:(جددوا إيمانكم قيل: يا رسول الله وكيف نجدد إيماننا ؟ قال :أكثروا من قول لا إله إلا الله ) رواه الترمذي، فالمسلم يستعين على تقوية روحه وإصلاح نفسه بضروب من العبادة والذكر مراقبا لله في السر والعلانية مستحضرا خشية الله ومراقبته إياه وأكثر من الذكر في كل أحيانك في المسجد وفي البيت وفي السوق وفي السيارة، بل في كل أحوالك وخاصة في شهر تضاعف فيه الحسنات وتغفر فيه الزلات ورطب لسانك بعذب القول من القرآن الكريم وذكر الواحد الديان حتى تكون من الذين كتبت لهم عظيم الجنان.