30 أكتوبر 2025

تسجيل

ثلاث مراحل للخروج من الأزمة السودان: آفاق غبشاء 5

02 يونيو 2014

googletag.display('div-gpt-ad-794208208682177705-3'); googletag.cmd.push(function() { googletag.display('div-gpt-ad-1462884583408-0'); }); المرحلة الثانية: اجتياز المرحلة الانتقالية أما وقد أوضحنا فيما سبق وصفاً للملامح العامة لوضع السودان السياسي والاقتصادي والاجتماعي الحالي، وبناءً على ما أوردناه في مقال سابق فإنه لا حاجة للإفاضة في شرح ضرورة التغيير السياسي العاجل، وسنمضي في هذا الفصل باعتبار أن التغيير سيحدث مستشهدين بما قدمناه وأيضاً بالمناخ السياسي السائد في السودان هذه الأيام، سنمضي في محاولة لرسم المشهد السوداني في فترة الانتقال نحو الديمقراطية والحرية حيث تكون فترات الانتقال هذه في العادة فترات عصيبة وغير مستقرة. الفائدة من ذلك هي أن انتشار الوعي بأحوال الفترة الانتقالية وإشكالاتها يحجم من طموحات الناس لما يعقب التغيير ويضع أمامهم صورة واقعية للصعوبات والتحديات التي ستأتي. هذا ربما يساعد على الصبر على أحوال الانتقال المضطربة حتى تعبر البلاد إلى بر الأمان عوضاً عن الضجر المبني على رفع سقف الآمال غير الواقعية بما قد يهدد بردَّة عن مسار الحريات إلى الشمولية مرة أخرى كما حدث في تاريخنا القريب وفي دول من حولنا.شكل المرحلة الانتقالية التي سيمر بها السودان سيعتمد كثيراً على نوع الانتقال وطريقة التغيير التي ستتم، وهذه بدورها ستعتمد على التصنيف السياسي لنوع النظام القائم الآن.يقول عالم السياسة الراحل سامويل هنتجتون صاحب نظرية صراع الحضارات إن هناك ثلاثة أنواع من الحكم القهري: النوع الأول هو نظام الحزب الواحد كالذي كان في الاتحاد السوفييتي وكثير من الدول الشيوعية سابقاً وفي الصين حالياً (هنتجنتون لم يذكر الصين)، وأبرز صفات هذا النوع هو احتكار الحزب الواحد للسلطة فكل من يريد الوصول إلى السلطة لابد أن يمر عبر الحزب، كما أن الحزب يشرع لسلطته بالايدولوجيا.النوع الثاني هو الحكم العسكري وصفاته أنه يقوم بالاستيلاء على السلطة بانقلاب عسكري ويمارس الجيش الحكم عبر المؤسسة العسكرية حيث يحتكر جنرالات الجيش المواقع التنفيذية في الحكومة. والأمثلة على هذا النوع كانت في أمريكا اللاتينية وباكستان ونيجيريا وغيرها.النوع الثالث هو حكم الفرد أو الديكتاتورية الفردية، وأبرز صفات هذا النوع هو أن الفرد الحاكم هو مصدر السلطة، والوصول إلى السلطة – درجاتها دون الحاكم - يعتمد على المقدرة على الوصول إليه، أو القرب منه، أو بدعمه ورضاه. والأمثلة على هذا النوع تشمل البرتغال تحت انطونيو سالازار وإسبانيا تحت فرانكو والفلبين تحت ماركوس.أما أنواع وطرق التغيير فيقسمها هنتجتون إلى ثلاثة طرق رئيسية. الطريق الأول هو التحول (Transformation) وهو الذي يحدث عندما تقوم المجموعة الحاكمة نفسها بقيادة التغيير نحو الديمقراطية كما حدث في البرازيل وإسبانيا. الطريق الثاني هو الإحلال (Replacement) ويحدث عندما تقوم المجموعات المعارضة للحكم بقيادة التغيير نحو الديمقراطية وينهار الحكم الشمولي أو يزاح عن السلطة كما حدث في الأرجنتين واليونان. الطريق الثالث هو التحول بالإحلال (Transplacement) حيث يكون العمل المشترك بين المجموعة الحاكمة والمعارضة هو السبيل نحو الديمقراطية كما في بولندا ونيكاراغوا. وكل هذه التقسيمات – يقر هنتجتون - تحتمل التداخل سواء في أنواع الحكم القهري أو طرق التغيير نحو الديمقراطية، ويمكن مراجعة ورقته (How Countries Democratize) أو كتابه الشهير (الموجة الثالثة The Third Wave).إذا أردنا تصنيف نوع الحكم الحالي في السودان لنستهدي به في نوع الانتقال المتوقع أو الأنسب فإننا نجد صعوبة. فالحكم في السودان الآن فيه مزيج من الأنواع الثلاثة: الحزب الواحد، العسكري، الفرد. ولكنني سأرجح هنا تصنيف الحزب الواحد حيث إن الحكم العسكري أبرز سماته سيطرة المؤسسة العسكرية على الحكومة وليس الأمر كذلك، وحكم الفرد يكون أبين إذا غابت السلطة عن الحزب الواحد والجيش وأيضاً فالأمر ليس كذلك، ولكن علينا أن نراعي الطبيعة المرتبكة للحكم في السودان عند بحث طرق الانتقال عنها.يقول هنتجتون إن الحكومات العسكرية تنتقل إلى الديمقراطية عادة بالتحول أو التحول بالإحلال (الطريقة الأولى أو الثالثة) حيث يقود العسكر الحاكمون التغيير بأنفسهم وقد يكون ذلك لأسباب مختلفة ولكنهم في العادة يشترطون على المدنيين قبل تسليمهم السلطة شرطين: الأول هو ألا يلاحقوا قضائياً أو يحاسبوا على ما فعلوا أثناء فترة الحكم، الثاني هو تحتفظ المؤسسة العسكرية بامتيازاتها المهنية باعتبارها المؤسسة المسؤولة عن حماية البلاد وتنال بهذا الوزارات الدفاعية، وأيضاً الاحتفاظ بالامتيازات الاقتصادية للصناعات العسكرية. الموافقة على هذه الشروط تكون رهناً لمدى قوة الحكم العسكري أثناء التفاوض. أما حكومات الحزب الواحد والتي تنتقل أيضاً إلى الديمقراطية عادة بالتحول أو التحول بالإحلال (الطريقتان الأولى والثالثة) فإنها تتيسر عادة إذا غلب التيار الإصلاحي على المحافظين داخل الحزب الحاكم والمعارضة على حد سواء. ضعف الصقور في المشهد السياسي العام هو التمهيد الأول نحو الانتقال إلى الديمقراطية. سيكون على السياسيين فك الارتباط بين الحزب والدولة حتى يتسنى الانتقال نحو ديمقراطية حقيقية، وسيشمل ذلك تفكيك المليشيات العسكرية للحزب إضافة إلى مؤسساته الاقتصادية والإعلامية وكذلك العمل على محو آثار تسييس الجيش. أخيراً، فإن ديكتاتوريات الفرد تنتهي في العادة، يقول هنتجتون، إما بموت الحاكم أو إزاحته عن الحكم قسراً.عليه، فإن التغيير المتوقع سيكون عن طريق التحول (Transformation) أو التحول بالإحلال (Transplacement) بمعنى أن يتغير النظام نفسه إلى نظام ديمقراطي أو يتم إحلاله بالتدريج بالاتفاق مع المعارضة. وهنالك بوادر للطريقين تظهر الآن في الساحة السياسية السودانية فالذي ينظر للمؤتمر الشعبي باعتباره أبرز أحزاب المعارضة سيصنف مسار التغيير باعتباره تحولاً نحو الديمقراطية باتفاق بين الحكومة والمعارضة ينتهي بإحلال نظام الحكم الحالي إلى آخر ديمقراطي. والذي ينظر إلى المؤتمر الشعبي باعتباره أحد أجنحة التيار الإسلامي في البلد سينظر إلى التغيير باعتباره تحولاً في منهج الحكم يقوم به القائمون عليه – في هذه الحالة، الإسلاميون. كل هذا بافتراض صدق المسعى وجدّه.هذان الطريقان هما بلا شك خير من الطريق الثالث وهو طريق الإحلال والذي يحدث إما بانقلاب أو ثورة أو عمل عسكري وهو إن حدث فسيقذف بالبلاد في هاوية غير معلومة القرار.الشيء الذي لفت نظري في ورقة هنتجتون هو أنه صنف ثورة أبريل التي أزيح فيها النميري عن الحكم باعتبارها تحولاً (الطريق الأول) بمعنى أنه تحول قام به النظام ليتحول من قهري إلى ديمقراطي ولم يصنفها باعتبارها ثورة شعبية أو إحلال. تفسير ذلك في تقديري هو أن هنتجتون اعتبر أن الحكم المايوي كان حكماً عسكرياً وأن التغيير قامت به المؤسسة العسكرية، ففي هذه الحالة يكون بالفعل تحولاً داخل النظام الحاكم نحو الديمقراطية، تحولاً داخل المؤسسة العسكرية الحاكمة، وذلك بغض النظر عن اختلاف الأشخاص الذي جرى داخل هذه المؤسسة، وهذا هو ما يمكن أن يفسر سلاسة الانتقال الذي حدث في أبريل85 وهو ذات الذي حدث في مصر يناير 2011، انتقال داخل المؤسسة العسكرية نحو نظام ديمقراطي، أما الثورة فلا تعدو أن تكون أحد عوامل الضغط التي ساعدت على هذا التحول. هذا ما فهمته من تصنيف هنتجتون وهو مقبول على ما به من علل.سيناريو أبريل 85 هو السيناريو الأنسب للتغيير في الظرف السوداني الحالي. وقد شهدنا بالفعل حراكاً شعبياً في سبتمبر الماضي وهو غير ضروري على كل حال طالما ارتضى الحاكمون التغيير. وهو الأنسب لأن القوات المسلحة هي المرجعية القومية الوحيدة التي يمكن أن يرتضيها النظام الحاكم لبعده العسكري واحتياجه لضمانات خروج آمن. كما يمكن أن ترتضيها المعارضة والمواطنون باعتبار أن إشراكها في الأمر يرجح ألا تخرج عليه وعنصر القوة فيها يضمن ألا يستغل ارتباك الوضع السياسي الانتقالي لصالح جهة سياسية غادرة. ويمكن للأمر أن يتم برئاسة عسكرية وحكومة تنفيذية مدنية على غرار ما كان بين سوار الذهب والجزولي دفع الله، والأفضل أن تتغير كل الوجوه فهو أجدر بالصدق في التغيير. ولكن يرجح أن يتعذر هذا فيكون أن تبقى القيادة الحالية للإشراف على التغيير بعد الاتفاق مع المعارضة.العنصر الأهم لنجاح هذا التغيير هو الإعلان. لابد أن يجري التغيير بمراحله ومواقيته واتفاقاته في فضاء مشهود، لا بالنجوى بين السياسيين في الغرف المغلقة. ليس المحذور هو تلك المشاورات التفصيلية المستمرة بين السياسيين فهذه لا سبيل إلى نقلها للعلن وهذا من نافلة القول، ولكن المحذور هو أن يتم تحت طي الكتمان الاتفاق على برنامج متكامل للتغيير ثم يخرج للناس دفعة، فإذا ظهر سخط الناس مما فيه أمضوه عليهم كرهاً. الأفضل هو أن يجري حوار السياسيين واتفاقاتهم الجزئية تحت رصد الرأي العام ليكون شريكاً في الأمر لا موضعاً له.