15 سبتمبر 2025
تسجيلنتيجة الانتخابات الرئاسية المصرية (26-27 مايو 2014) التي شاهدها العالم بالصوت والصورة لم تكن بحجم التوقعات التي كانت تقول إن الشعب المصري المفؤود بحب سعادة المشير سيتقاطر نحو صناديق الاقتراع ذرافات ووحدانا ليصوت لصالح المشير. ولكن النتيجة جاءت مفارقة لتلك التوقعات التي بنيت أساسا على حجم المظاهرات الحاشدة التي سدت الطرقات والأمكنة والميادين العامة في الثلاثين من يونيو 2013 استجابة، وتأييدا لبرنامج خريطة الطريق الذي أعلنه المشير ضمن قراراته التي عزل بموجبها الرئيس المنتخب ديمقراطيا الدكتور محمد مرسي، وأحاله ليس فقط إلى التقاعد السياسي الإجباري، إنما إلى الاعتقال بتهم لا تحصى ولا تعد. أيادي وأذرع الدولة المصرية العميقة التي سادت على مدى ستة عقود لم تكن بعيدة عن الاستثمار في أحداث الثلاثين من يونيو 2013. لقد تضررت أساطين الدولة العميقة من ثورة الشعب المصري ضد نظام الرئيس مبارك. ولكي تأخذ ثأرها المحسوب، قدرت وعرفت كيف تستثمر ذلك الاحتشاد غير المسبوق في تدابير سياسية لا ينقصها الدهاء أو المكر أو التمرس. فبضربة لازبة واحدة حولت العناصر المتبقية من كيان الدولة العميقة المتداعى، حولت مظاهرات تأييد برنامج خريطة الطريق، حولتها إلى صراخ عاطفي مشبوب وجارف يدعو المشير (أن يتم جميله ويكمل المشوار بالترشح لرئاسة مصر) مكيدة ومكايدة لقوى الثورة المدنية والشبابية التي أشعلت حريق الثورة الذي حرق الكثير من تشكيلات الدولة العميقة السياسية والأمنية والإدارية والإعلامية وتركها رميما أو كالرميم. نعم، احتشاد الثلاثين من يونيو 2023 عكس رفض الوجدان الشعبي المصري للمشروع الإسلاموي الإخواني. ولكن رفض المشروع الإسلاموي لا يعني بالضرورة إعادة استدعاء العسكر من ثكناتهم مرة أخرى. إعلام الدولة العميقة المتبقي، استطاع أن يطل برأسه من جديد على مظاهرات الثلاثين من يونيو محاولا أن يرسخ إحساسا فحواه أن الشارع السياسي يريدها عسكرة غير مباشرة مرة أخرى ولتذهب أحلام الشباب الثائر في التغيير والتبديل إلى الجحيم. إعلام الدولة العميقة العائد من تحت الركام استطاع أن يربك المشهد السياسي باستهداف قوى الثورة المدنية والشبابية وإرسالها خارج دائرة الفعل. لقد فاجأت تشكيلات الدولة العميقة المتبقية القوى السياسية الثورية التي فجرت الثورة، فاجأتها بالعزف القوي على شعار "تم جميلك وأكمل المشوار". ثم إبراز الطوابير الشعبية وهي تتراص على مداخل المقاهي والمطاعم الشعبية وتلزم رواد تلك الأماكن بالتوقيع على عرائض تقول الشعب (عاوز المشير رئيس). هذه القوى الشعبية الفقيرة تولد لديها الإحساس منذ وقت بعيد بأنها محتاجة دائما لحليف قوي لكي تسند ظهرها الضعيف عليه. إعلام الدولة العميقة العائد من تحت الركام اهتبل الفرصة وقدم لها المشير في طبق من ذهب وأكتاف مرصعة بالنجوم والنياشين. هذا الإعلام المغروض الذي كان قد تعرضت بعض أطرافه إلى الضرب والإهانة أثناء الغليان الثوري، كان لديه إحساس هو الآخر مشابه لإحساس الطبقات الفقيرة الإيجابي تجاه القوى العسكرية لاعتقاده أن القوى العسكرية هي الأقوى الأقرب إليه وجدانيا لأنها قوى شريكة في تنميط أسس الدولة العميقة التي تعايشوا تحت أهابها سويا. نتيجة الانتخابات لم تعكس تماما هذا التمازج الوجداني. أكثر من مليون ناخب خربوا بطاقاتهم عن عمد بكتابة ملاحظات مسيئة عليها. كثيرون جلسوا في منازلهم وفضلوا المقاطعة لتأتي نسبة المشاركة متدنية إلى حد الإحراج. الصحف العالمية تحدثت عن إحباط شديد أصاب الرئيس المصري السابع الذي كان يمني النفس بنسبة اكتساح لا تدانى نسب أزمان الغفلة القديمة، ولكنها ترتفع عن القاع كثيرا. للأسف حتى اليوم الثالث الذي أضيف لجدول الاقتراع لم ينفع. ولا العطلة الرسمية التي صاحبته نفعت. بعض الناخبين الذين جلسوا في منازلهم ولم يشاركوا أجابوا عندما سئلوا عن أسبابهم، أجابوا بأنهم لم يشاركوا لأن النتيجة كانت معروفة سلفا. هذا سبب وجيه آخر: الشعوب العربية تريد إسقاط الأنماط الديمقراطية العربية القديمة بجانب إسقاط الرؤوس الذي ظلت في مكانها القديم بلا لزوم.